تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

وقد استأنس بعض أهل العلم بمثل هذا القول على جواز الاستدلال الجزئي، فليس من شروط الاستدلال التطابق في الصورة، بل يجوز الاستدلال من وجه دون بقية الوجوه، فالآية تدل على انتفاء المودة الكلية بين المؤمن والكافر، وهي من وجه آخر تدل على انتفاء المودة الجزئية بين المؤمن والعاصي، فتلك صورة جزئية تفرعت عن الصورة الكلية، فيشبه ذلك من وجه جواز الاستدلال بآيات نزلت في حق الكفار في شأن يخص المؤمنين، ولا يلزم من ذلك بداهة، أن يصير المؤمن بذلك كافرا، فالاستدلال يتعلق بوصف أو حال خاص طارئ، فلا يتعلق بالوصف أو الحال العام الدائم، كما في استدلاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله تعالى: (اوَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)، على احتجاج علي، رضي الله عنه، بأن نفوس النائمين بيد باريها، جل وعلا، فإن شاء أرسلها في الليل فتصلي، وإن شاء أمسكها عنده فتنام عن صلاة الليل، والآية قد نزلت في بيان حال الكافر، وليس علي، رضي الله عنه، بذلك بداهة!، بل هو من سادات المؤمنين.

والشاهد أن المضارعة في: "تجد"، مئنة من التجدد والحدوث، وذلك آكد في تقرير المعنى على جهة الديمومة، فلا وجود في أي عصر أو مصر لقوم يتصفون بالإيمان، وهو وصف لازم لا يتصور انفكاكه عن صاحبه إلا بارتكاب ما ينقضه من اعتقاد أو قول أو فعل، وهم مع ذلك يوادون من حاد الله ورسوله فبارزه بالعداء الصريح في الدين ومن أظهر صوره في زماننا مظاهرة الكافرين على المؤمنين بالقول والفعل، فتلك محادة كلية تأتي على أصل الإيمان بالإبطال، أو بارزه بارتكاب المعاصي، فتلك محادة جزئية تنقض كمال الإيمان الواجب دون أصله.

والموادة من المفاعلة، وهي لا تكون إلا بين اثنين، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وليس ذلك شرطا في انتفاء الإيمان أصلا أو كمالا، على ما تقدم بيانه، فقد يود من يدعي الإيمان: الكافرَ طلبا لرضاه وطمعا في عطاياه واستظهارا بقواه، كما هي حال كثير من أهل زماننا، ومع ذلك الود الصادق الذي يتفانى صاحبه في إقامة الأدلة القولية والفعلية على صحته فيبغض لأجله أهل الإيمان ويسعى في مضرتهم ومساءتهم إرضاء لأهل الكفران، مع كل ذلك قد لا يجد من الكافر ودا يعادله، بل لن يجده يقينا، فـ: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، فليس إلا أداة قمع يستعملها الكافر لكسر شوكة أهل الإيمان وإلحاق الأذى بشتى صوره بهم، فالمفاعلة هنا ليست على بابها، أو يقال بأنها تقع باعتبار ما قد يؤول إليه الأمر من وقوع ود متبادل بين الطرفين، ولو ظاهرا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالطيور على أشكالها تقع!.

فعلى القول الأول تكون المفاعلة على غير بابها، فتجري مجرى المعالجة، فيقال لمن باشر أمرا ما: عالجه، وليس ثم إلا فاعل واحد، وعلى القول الثاني تكون المفالعة على بابها باعتبار ما تؤول إليه، فمن تشبه بقوم، وذلك من صور الموافقة الظاهرة التي تدل ضرورة على نوع موافقة في الباطن، قل أو كثر، فهو منهم بقدر تشبهه بهم، وبقدر موالاته لهم، وبقدر مظاهرتهم وإعانتهم على عدوهم الذي صار عدوا له، فالناس على دين ملوكهم، ولو كانوا ملوكا في الظاهر!.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض التعليق على قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم":

"هذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم).

وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة".

فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه فإن كان كفرا أو معصية أو شعارا للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك". اهـ

فقد يكون ناقلا عن الملة، فهو أمارة ظاهرة على انتقاض أصل الإيمان في القلب بناقض قلبي أو قولي أو عملي، وقد يكون معصية تنفي كمال الإيمان الواجب دون أصله كما تقدم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير