تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهو خسيس يلائم خسة نفوسهم، فـ:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ******* وتأتي على قدر المكارم.

فعزائم أهل الحق لا تقنع إلا برضا ربها، جل وعلا، فـ: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)، وعزائم أهل الباطل تقنع بلعاعة من زينة الحياة الدنيا، فـ: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا)، فالتنكير باعتبار حقيقة الخراج الدنيوي، مما يصح حمل الكلام عليه في حق المؤمن فالخراج الدنيوي الذي يزهد فيه حقير، وفي حق الكافر فالخراج الدنيوي الذي يطمع فيه حقير، أيضا، فوصفه واحد، ولكن الجهة منفكة، فشتان نفس شريفة تشتري الآخرة بالدنيا، فنعمت الصفقة، فـ: (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، وأخرى وضيعة تشتري الدنيا بالآخرة فبئست الصفقة، فـ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).

وقد يصح حمل التنكير في الآية على التعظيم، فذلك آكد في تقرير معنى التوبيخ، فلا تسألهم خراجا عظيما لينفروا من دعوتك، بل لسان مقاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "قُولُوا: لَا إلَهَ إلَا اللّهُ تُفْلِحُوا وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ وَتَذِلّ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ فَإِذَا آمَنْتُمْ كُنْتُمْ مُلُوكًا فِي الْجَنّةِ"، فوعدهم بالتمكين العاجل وإن ابتلي المؤمنون حينا، فـ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فذلك الابتلاء هو الذي صد رءوس الضلالة وأهل الترف في كل عصر ومصر عن اتباع الحق، فـ: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، فهو ثقيل في أوله، مريء في عاقبته، فلا تطيقه إلا النفوس الشريفة، فلسان مقال غيرها: (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)، فنفس الأول حول العرش دائرة، ونفس الآخر في الحش قابعة، فلا يستويان مثلا، بل إن وجودهما في هذا العالم أضدادا متباينة، لهو خير شاهد على ربوبية من أوجدهما، فتنوع الخلق مئنة من قدرة الخالق، جل وعلا، وهو من وجه آخر مئنة ظاهرة من حكمته البالغة فلا يستويان مثلا في التكوين، ولا يستويان مثلا في التشريع، فليس حكم المهتدي نصرة وتأييدا، وهو ما قد صار في هذا العصر عزيزا لقعود أهل الحق عن نصرة إخوانهم الذين لم يسألوهم من خراج الدنيا شيئا فلم يسألوا إلا حماية دمائهم وأعراضهم، ليس حكمهم كحكم المرند استتابة فقتلا، لمن سأل أهل الضلالة خراج الدنيا، فليس عندهم من أمر الآخرة شيء سوى وعد مكذوب بملكوت موهوم يمنون به أتباعهم ولا ينطلي على من له مسكة عقل سواء أكان من المهتدين الراغبين في أجر الآخرة الآجل، أم من الضالين الطامعين في أجر الدنيا العاجل، فلو كانت الدنيا عند أهل الحق لاتبعهم نفاقا، ولو كانت عند أهل الباطل لاتبعهم ردة وضلالا، فأي زيادة تطرأ على ملة هذه حال من يهتدي إليها!، فيحصل له الخلاص المزعوم، وهو خلاص بالفعل من فقر عارض أو حكم جنائي نافذ!، كحال كثير من المرتدين في هذا العصر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير