تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نسبة الصفة إلى الموصوف لو حمل الخراج على معنى الرضا فهو وصف يقوم بذات الرب جل وعلا، فيكون ذاتيا باعتبار نوعه، فعليا باعتبار آحاده المتجددة فيرضى، جل وعلا، إذا صدر من عبده ما يرضيه، وهو به عليم بعلم أول تقديري، وثان إحصائي، فليس كرضى البشر الذين يرضون إذا وقع ما يحبونه مما لم يكونوا يعلمونه، وأثر، رضاه، تبارك وتعالى، هو الثواب العاجل في الدنيا، ولو بعد حين من الابتلاء تمحص به النفوس فينفى خبثها فلا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس، والثواب الآجل في دار الجزاء، فـ: (جَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)، فـ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

أو:

نسبة المخلوق إلى خالقه لو نظر إلى عين الثواب من النعيم المخلوق في دار الكرامة.

والخيرية هنا منزوعة التفضيل بالنظر إلى حقيقة خراجهم الفاني، في مقابل حقيقة خراج الرب، جل وعلا، الباقي.

فهو خير الرازقين، وذلك من أسمائه، جل وعلا، المقيدة، فلا رازق سواه، وذلك وجه نزع الخيرية من افعل التفضيل فما سواه سبب في إيصال الرزق: فلا تتعلق نفوس أهل الحق به، وليس مع أهل الباطل إلا خراج لا يملكونه، فـ: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

وأضيف الخراج إلى اسم الرب، جل وعلا، فهو مظنة الربوبية، فالعطاء لا يكون إلا من رب جواد معط ينفق على عباده فلا يعجزه رزقهم، ولا يئوده حفظهم بالقدر الكوني الذي تستصلح به الأبدان، والقدر الشرعي الذي تستصلح به الأرواح.

فخراج ربك خير من كل ما يجمعون، فـ: (مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ): فنكرت المعفرة ولازمها من الرحمة سواء أكانت من وصفه جل وعلا أم من جملة رحماته المخلوقة في الدارين، نكرتا تقليلا فأقل قدر منهما خير مما يجمعون، فالتقليل في هذا الموضع يؤول في حقيقته إلى التعظيم فهي مغفرة ورحمات عظيمة أقل قدر منها تحصل به الهداية والتثبيت في الدنيا، والنجاة في الآخرة، فخراجه، جل وعلا، خير من كل ما يجمعون، بل أقل قدر منه خير مما يكنزون، فكيف بخراجهم الذي يبذلونه من فضول أموالهم، فخراجه، جل وعلا، خير منه من باب أولى، وهو مع عظمه لا يعدل شيئا من ملكه، فـ: "يا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُل إِنْسَانٍ مَسْأَلتَهُ مَا نَقَصَ ذَلكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِل البَحْرَ"، فشتان!، وعجبا لمن استبدل خراج العبد بخراج الرب فتلك مئنة من فساد تصوره، ولا يكون ذلك إلا بإعراضه عن النبوة: مصدر التلقي المعصوم لصحيح المنقول والمعقول، فلا يخالف قول خرج من مشكاة نبوة قولا خرج من مشكاة نبوة سبقتها، فـ: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، ولا يخالف قول خرج منها قياس عقل صريح خلقه الرب، جل وعلا، بكلمته الكونية، وأنزل إليه كلمته الشرعية خبرا وحكما، فالمصدر واحد، فمنه الخلق تكوينا، ومنه الوحي تشريعا، فكيف يقع التعارض بينهما، وكلٌ منه قد بدا وصدر؟!.

والله أعلى وأعلم.

ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[30 - 08 - 2010, 01:52 م]ـ

جزاك الله خيرا أخي مهاجرا على هذا الجهد المقدر الذي تقوم به

ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 08 - 2010, 07:21 م]ـ

جزاك الله خيرا على المرور والتعليق أيها الكريم الفاضل أبا ياسين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير