تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاء البيان لوظيفة الرسول البشري فـ: (إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ): فذلك مما يحسن التوكيد عليه دفعا لأي تهمة ودرءا لأي شبهة، فليس له صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا هداية البيان، فجاء التوكيد بالناسخ المؤكد واللام الداخلة على خبره المضارع لشبهه اللفظي بالاسم، وهو مئنة من من التجدد والحدوث باعتبار زمن التكلم فما فتئ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعوهم إلى الحق، وتلك دعوة الرسل عليهم السلام جميعا فـ: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، ولسان مقال الرسول البشري: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، وما فتئ ينفق ويبذل من وقته وماله، حتى حطمه الناس فصلى قاعدا كما قالت عائشة، رضي الله عنها، فدعا بلسانه وقاتل بسنانه فبعث بكتاب هاد وحديد ناصر وناله من ألم الجراحات ما ناله فأدمى سفهاء الطائف قدميه الشريفتين، وشج رأسه وكسرت رباعيته يوم أحد، فالرسالة أشرف منصب بشري فيتكبد أصحابها ما لا يتكبده من دونهم من البشر ولو كانوا على رسم الصديقية والإمامة والصلاح، وفي المضارعة، أيضا، ما تقدم مرارا، من استحضار الصورة، فتلك حقيقة في كل داع إلى الديانة برسم الرسالة أو الإمامة ...... إلخ، فجميعهم قد اشترك في معنى جامع هو الهداية الإرشادية التي لا تتصور إلا بعلم صحيح وإرادة ناصحة وبيان فصيح، وتلك، كما تقدم، سمات رئيسة، بل واجبة الوجود، في كل رسول لمكان العصمة والتأييد، فلا موجب لها على الرب، جل وعلا، وإنما أوجدها بمأ أوجبه على نفسه من رحمة العباد، وأعظم صورها بعث الرسل عليهم السلام، فبعثتهم في أصلها جائزة عليه، جل وعلا، فلا موجِب يوجب عليه شيئا، كما تقدم، ولكنها باعتبار تعلقها برحمته، صارت، والله أعلم، واجبة بما كتبه على نفسه من رحمة العالمين، فرحمهم بالقدر الكوني إيجادا وإعدادا وإمدادا، ورحمهم بالقدر الشرعي بعثا للرسل وإنزالا للكتب.

وهي سمات يجب، على جهة التكليف لا على جهة التكوين اصطفاء كما هي حال المرسلين فليست رتبتهم مما ينال بتكليف شرعي بل هي اختيار كوني محض بعلم تقديري أول، فيجب على جهة التكليف على من جاء بعد المرسلين من الدعاة إلى الحق أن يتحلوا بها، فلا تكون دعوة بلا علم، ولا تكون دعوة بلا إرادة صادقة لهداية البشر، فهي منشأ كل قول أو فعل ظاهر، ولا تكون دعوة بلا معاني صحيحة تصاغ في مبان صريحة فصيحة، يحصل بها البيان الذي تقوم به الحجة الرسالية، فلا تقوم إلا بدليل صحيح المبنى قطعي الدلالة فهو نص في معناه لا يحتمل تأويلا. فصح تعلق الخطاب به صلى الله عليه وعلى آله وسلم مواجهة، فهو أول داع إلى التوحيد في هذه الأمة، فدعا إلى الأصل الجامع وبين فروعه العلمية والعملية، وأصوله التي تعضد الأصل العلمي التصديقي الانقيادي الأول فلا يتصور له قيام في القلب إلا بها، كأصل الولاء والبراء الذي انتهكت حرماته في زماننا فظاهر أهل الإسلام أهل الكفران من عباد الصلبان وبني يهود على أهل الإيمان واختفت أخلاق الطبع فضلا عن أخلاق الشرع فلا مروءة ولا غيرة على الحرمات التي تأنف النفوس الحرة من انتهاكها ولو كافرة مارقة، وبين نواقضه القلبية والقولية والفعلية، وصح تعلق الخطاب بمن أتى بعده بالنظر إلى عموم خطاب الشريعة، فتكليف البيان تكليف عام، ولو كفاية، فيجب على مجموع الأمة، فذلك من خصائصها، فـ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، و: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فلا يجب على جميعها، بالنظر إلى معنى التبعيض في "من" إلا إن تعين الوجوب في حق فرد بعينه بيانا لمعنى أو درءا لشبهة أو مفسدة علمية أو عملية يقدر على ردها، فالقدرة شرط رئيس في التكليف، فيأثم إن نكل عن البيان مع قدرته وتعينه في حقه، وإن كان غير متعين قي حقه ابتداء، وعلى القول بجنسية "من" يكون الأمر عاما في حق كل مكلف، فالأمر بالمعروف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير