تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والنهي عن المنكر سمة رئيسة من سمات الأمة الخاتمة وهي مئنة من خلق المروءة الذي اختفى في زماننا، ولو صيانة للحرمات، فاختفت تلك الشعيرة العظيمة، لزوما، فاللازم يدور مع الملزوم وجودا وعدما، فإذا انعدم الباعث من المروءة الطبعية التي تزكيها الأحكام الشريعة فما بعث صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا ليتمم مكارم الأخلاق، إذا انعدم ذلك الباعث الطبعي الذي يرسخه الوازع الشرعي، فالشرع متمم للفطرة تقريرا وتفصيلا وتعديلا، إذا انعدم ذلك الباعث اختفت تلك الشعيرة العظيمة أو كادت من حياة الناس فسرت الدياثة الدينية والدنيوية إن صح التعبير فقلت الغيرة على الحرمات الدينية والمحارم الطبعية.

فيهدي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى صراط نكر تعظيما، وحصل بذلك توطئة لوصفه فهو محط الفائدة، فهو صراط مستقيم في العلوم الباطنة، والأقوال والأفعال الظاهرة، في الإرادات وما ينشأ عنها من أعمال، فالرسالة قد صححت تصور المكلف، فحررته من رق الكفر الذي لا ينفك عن الخرافة والكذب، فهو مضروب على كل جاهل فاسد الإرادة والقصد، فلا تجده إلا متعصبا لموروث قد قامت دلائل النقل الخبري والعقل القياسي على بطلانه، فإن الشرك أعظم صور ظلم الإنسان لنفسه ولغيره، فالمشرك يظلم نفسه بتحقير شأنها وتسفيه رأيها، فيرضى بما لا يرضى به العقلاء فضلا عن الأحرار الذين يبذلون المال والجاه، والعمر، بل والحياة أحيانا، والعقول أخيرا التي ترفض الانصياع لوساوس الكهنوت وطلاسمه الشيطانية، والمشرك يظلم غيره، بتعصبه الأعمى، فلا ينفك الكفر عن: جهل بحقائق التوحيد وصفات رب العبيد التي لا تتصور فيها شركة، ولا يقع فيها التشبيه المذموم في الحقائق الخارجية، وإنما تدركها العقول بالاشتراك المعنوي في المعاني الذهنية، فتعالى رب العباد أن يدانيه خلق من خلقه في وصف كماله، فضلا عن أن يماثله، فنفي التشبيه الجزئي نفي للتمثيل الكلي من باب أولى، فضلا عن أن يحل فيه، فيطرأ النقص اللازم على أقدس ذات وأكمل صفات، فذلك من المحال العقلي، الذي لا يرد به تكليف شرعي، فقد ركبت العقول في البشر ليستدلوا بطرائقها الصريحة على كمال رب الخليقة، جل وعلا، فلا يتصور في حقه نقص ذات أو صفة، فلا يجري عليه ما يجري على البشر من سنن الفقر الذاتي الوصفي اللازم، فصورهم الطينية، وإن كانت في أحسن تقويم، وأبدع تكوين إلا أنها لا تنفك عن نقص يلازمها به يقع الفرقان المبين بين صفات العباد وصفات رب العالمين، تبارك وتعالى، فنقصهم مئنة من كماله، فالناقص يلجأ إلى الكامل ضرورة، وبضدها تتميز الأشياء فالحاجة الضرورية الملحة في نفس كل إنسان دينية كانت أو دنيوية تدله لزوما على دعاء غني أعلى يتوجه إليه على حد التضرع ليلبي حاجته فإن لم يتوجه إلى المعبود بحق توجه إلى غيره فإن لم يتعرف على كمال الرب، جل وعلا، ظن فيه النقص، وظن في غيره من معبودات الكون الكمال فهو مقيم وجهه لا محالة إما للدين الصحيح برسم الحنيفية فـ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)، وإما للدين الباطل برسم الشركية، فـ: (يعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ)، فإذا فسد معلومه في ربه، جل وعلا، صفة وفعلا، فذلك فساد التوحيد الخبري العلمي: أسماء وصفات وربوبية، إذا فسد: فسد لزوما التوحيد الإرادي العملي: ألوهية فدعا صاحبه غير الله جل وعلا.

والحادث لا يكون إلا بإرادة الأول جل وعلا حدوثه، فيباينه في وصف القدم الذاتي، فقدم الرب، جل وعلا، وأزليته بالذات والوصف القائم بها الذي لا ينفك عنها ضرورة عقلية اخرى، فلا يحل في أقنوم حادث فيكتسب من حدوثه ما ينفي وصف الأولية المطلقة عن رب البرية، جل وعلا، فضلا عما ينفيه ذلك عنه من وصف الآخرية المطلقة فحلوله، جل وعلا، بذاته أو وصف كماله في ناسوت أو أقنوم أو أي كائن شريف أو غيره، ينفي عنه صفة الآخرية المطلقة، فهو، كما وصفه رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء"، فقصر الوصف عليه بتعريف الجزأين، وهو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير