تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، فيتوسلون بهم، زعموا، إلى الرب، جل وعلا، ويحملون آيات التوسل على دعائهم غير الله، عز وجل، وليس ذلك من التوسل المشروع في شيء، فصار قيد الإخلاص قيدا فارقا بين الموحدين المخلصين، وبين عباد الأوثان والصلبان والأحبار والرهبان ...... إلخ من المعبودات المحسوسة والمعقولة، فليس ذلك بحكر على الصورة النمطية للعبادة التي يتوجه فيها العابد إلى معبوده بأجناس العبوديات من دعاء ونذر وذبح .... إلخ، كما يقع من الغلاة أمام المشاهد والأضرحة، ورائدهم في ذلك غلو أهل الكتاب في رهبانهم، فتكاد الصورة تكون واحدة: صورة العابد المنكسر أمام قبر القديس، وصورة العابد المنكسر أمام قبر الشيخ، فليس ثم فارق إلا ما ثبت للثاني من توحيد أتى بما ينقضه جهلا في الغالب، فليس له حكم الكافر الأصلي، فالعذر في حقه قائم، وإن توجه إليه الذم بتقصيره في طلب الحق وتقليده أهل الباطل، فيلزم في حقه البيان وإقامة الحجة الرسالية المفهمة التي تزيل الشبهة، والشاهد أن ذلك ليس بحكر على أصحاب تلك الصورة النمطية من الشرك، بل يعم هذا المعنى كل صور الشرك المعنوي، لا سيما شرك الغلو في المتبوعين باتخاذهم آلهة تحل وتحرم، وتقديم حكمهم على حكم الرب، جل وعلا، فتلك من صور الشرك التي وقع فيها أهل الكتاب فـ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، ووقع فيها من بعدهم فئام من هذه الأمة قدموا حكم المخلوق على حكم الخالق، عز وجل، فتوجه الذم إليهم في نحو قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، وانتفى عنهم الإيمان في نحو قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، والشاهد أن أهل الكتاب بما عندهم من ميراث النبوة كانوا أولى الناس بالتوحيد فإذا بهم جحودا وحسدا، كما هي حال يهود الغالبة، أو جهلا وإعراضا عن طلب الحق وركونا إلى اتباع رءوس الضلال وتقليدا لدين الاباء، كما هي حال النصارى الغالبة إذا بهم يكفرون بالنبوة الخاتمة، معدن التوحيد العلمي والعملي المصدق لما بين يديه، الشارح لمجمله المبين لمشكله، فذلك وجه المبالغة في النكير عليهم بالقصر الادعائي، فمن جعله من هذا الباب، فعطف الصلاة والزكاة عليه من قبيل عطف الاستئناف، فإنه أراد تجريد معنى العبودية الأخص، بتوحيد الرب، جل وعلا، توحيدا قلبيا باطنا، ثم عطف عليه ما يباينه في الحقيقة، وإن كان لازما له لزوما لا انفكاك فيه، كما تقدم من بيان التلازم الوثيق بين الملزوم المنشئ واللازم الناشئ عنه، فالصلاة والزكاة تباين عقد القلب، وإن كانت لازمة له، فهي ترجمانه، بل هي مثله من جهة الدخول في حقيقة مسمى الإيمان الذي يعم القول والعمل كما تقدم، وبها يظهر من صدق الدعوى الإيمانية ما يحصل به معنى الإيمان إلا في حال النفاق، فتلك حال استثنائية، ولا تخلو مع ذلك من كاشف مظهر لحقيقة ما يقوم بالقلب، وإن اجتهد صاحبه في إخفاءه ما اجتهد كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

ومن حمل الآية على القصر الحقيقي فنظر إلى مفهوم العبادة الأعم الذي يشمل سائر أجناس التأله الباطن والظاهر، العلمي والعملي، كما تقدم، فإن معنى العبودية الذي صدرت به الآية يشمل الصلاة والزكاة فهي من الإيمان الذي يعم حركات الباطن والظاهر، فالعبادات البدنية والمالية من الظاهر الذي يدخل في حد الإيمان تضمنا، فتلك مقالة أهل السنة الذين يعدون العمل شرط كمال واجب فلا يحصل الإيمان المنجي من الوعيد إلا بالعمل، بل بعض الأعمال على خلاف بين أهل العلم شرط صحة، فلا يصح الإيمان ابتداء إلا بها، وعليه كان الخلاف الشهير بين الحنابلة، رحمهم الله، من جهة، والجمهور من جهة أخرى في مسألة تارك الصلاة كسلا فقد ترك أحد مباني الإسلام العملية، وإن لم ينقض عقد إيمانه الباطن صراحة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير