تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، فالرسل عليهم السلام مع عظم قدرهم لا يأمرون الناس إلا بتوحيد مرسلهم، جل وعلا، بل لو: (أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فـ: (لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فلو أمروا بضد ما أرسلوا به لنالهم من آثار أوصاف جلال الرب قطعا وأخذا ما نالهم، فـ: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ). والملائكة عليهم السلام مع عظم خلقهم ودوام ذكرهم: (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، فمن كان بالله أعلم كان له أخشى وأتقى، فالعلم الباطن، كما تقدم مرارا، لا بد أن يولد في قلب صاحبه: حركة إرادية يحصل بها من أجناس الخشية والتقوى ما يحول بينه وبين أسباب فساده من شبهات دينية ردية أو شهوات دنيوية دنية فذلك حال البشر وأما الملائكة فقد نزهوا عن ذلك، ومع ذلك لم تفارقهم الخشية لكمال علمهم وعظيم قربهم من الرب، جل وعلا، فلسان حالهم: (سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)، وذلك وجه تفضيلهم باعتبار المبتدى، وإن كان صالحو البشر أفضل باعتبار المنتهى.

والمضارعة في: "تَدْعُونَ": مئنة من تجدد الوصف فلا ينفك أولئك عن دعاء، فـ: (مَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)، ولا ينفك أولئك عن عجز فلا يملكون شيئا من الكون إيجادا أو تدبيرا، ولو دق جرمه، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)، فلن يخلقوه وإن علموا من تركيبه التشريحي وأدائه الفسيولوجي ما علموا، فليس ذلك إلا علم ظهور وانكشاف لسنن الرب، جل وعلا، في كائن واحد من خلقه الذي يعجز العقل عن إحصاء عدده، فـ: (الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، فالعموم الذي ذيلت به الآية مظنة الكثرة أعيانا وأوصافا فمن ذا الذي يحيط بالكائنات إحصاء لأنواعها وأعدادها وإدراكا لخصائصها ووظائفها إلا الذي فطرها فإنه يهديها إلى ما يصلحها، فخلق ثم هدى، فـ (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، فهدى بالتكوين كل كائن فكونه ثم حفظه بجملة من السنن الربانية النافذة، وهدى بالتشريع من اصطفاه لحمل الأمانة، فمنهم من اهتدى بيانا ثم كفر بالإعراض والاستكبار، ومنهم من اهتدى توفيقا فآمن فـ: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

والشاهد أنهم لن يخلقوه ولو علموا من تشريحه ووظائفه ما علموا فذلك علم ظهور وانكشاف، كما تقدم، والخلق لا يكون إلا بعلم تقدير مؤثر، كما ذكر ذلك بعض المحققين من أهل العلم، فبه يقع التقدير في الأزل، فذلك من الأولية المطلقة التي لا تثبت إلا للأول بذاته القدسية وصفاته العلية، جل وعلا، فله الكمال الأزلي، ومنه كمال التقدير للكائنات ثم كمال الحكمة في إثبات العلم الأزلي في اللوح بقلم التكوين النافذ، ثم إذا شاء إظهار معلومه في الكون أظهره بقدرته النافذة، فذلك تأويل المقدور الغيبي في عالم الشهادة الوجودي، فيصير موجودا بعد أن كان معدوما، ويكون على ما قد قدر له أزلا، فلا زيادة ولا نقصان!، فذلك تأويل حكمته البالغة، فلا يكون خلق إلا بعلم تقديري أول، ثم مشيئة نافذة، فيقع الخلق بقدرة كاملة وحكمة بالغة، فلا يوضع شيء في الكون إلا في محله الملائم له، وذلك أمر يعم الأعيان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير