تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاء التذييل بإيذاء المؤمنين: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) فنص عليه صراحة بعد أن نص عليه تضمنا، فإيذاء أتباع النبي إيذاء له، فلا ينفك بغض الأتباع عن بغض المتبوع، فذلك من التلازم العقلي الوثيق، فمن أبغض متدينا بدين، لأجل دينه الذي ينتحله، فقد أبغض النبي الذي بعث به، إن كان سماويا محفوظا، أو من حرفه إن كان ذا أصل سماوي ثم طرأ عليه التبديل الأرضي، أو من أنشأه إن كان أرضيا حادثا، ففي الديانات تعقد ألوية الولاء والبراء انتصارا للدين وصاحبه، أو انتصارا منه إن كان العاقد مبغضا له كافرا به، ولا يكون ذلك بداهة في دين الأنبياء عليهم السلام: دين التوحيد الذي ما بعث نبي إلا لتقريره، فهو الدين الجامع من لدن آدم عليه السلام إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فأتباع موسى هم أتباع عيسى هم أتباع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الآن فهم الذين ورثوا زبدة تلك الرسالات من بين فرث ودم ضلال اليهود العملي مع كونهم أصحاب علوم نظرية، وضلال النصارى العملي مع كونهم أصحاب إرادات وقوى وجدانية، فجمع أهل الملة الخاتمة بين الحسنيين فهم أهل العلم والعمل، فلا يقوم الدين إلا بهما، وإلا دخله إحداث أهل الكلام في المقالات العلمية فقد ساروا على الطريقة اليهودية، أو إحداث أهل الطريق في المسالك العملية فقد ساروا على الطريقة النصرانية، فإذا كان الأمر كذلك، فدعوى وحدة الأديان في دين عالمي جامع، برسم الإبراهيمية نسبة إلى الخليل عليه السلام: إمام الموحدين، دعوى باطلة يردها بداهة: انتساب الخليل عليه السلام إلى دين التوحيد الذي ينقض مقالات التثليث والتشريك الحادثة، فالأصل في البشر التوحيد الذي فطر عليه آدم عليه السلام ونزل به إلى دار الابتلاء فهو الخليفة في إقامة الشرع في الأرض توحيدا علميا وتحكيما عمليا، فبعث الأنبياء بالأخبار التوحيدية والأحكام التكليفية، وينقض مقالات الطعن في صفات الرب، جل وعلا، بنسبته إلى البخل، أو السنة، أو النوم، أو اتخاذ الصاحبة والولد، فذلك نقص ذاتي يتنزه عنه الرب العلي، تبارك وتعالى، فكل دين يخالف دين التوحيد الجامع فهو دين محدث باطل، وإن انتسب أصحابه إلى نبي مرسل، فدعوى الانتساب بلسان المقال ينقضها لسان الحال، فكيف يدعي الانتساب إلى ملة سماوية من قد وقع في الشرك الصريح وما بعث الأنبياء عليهم السلام بوحي السماء إلا لنقض بنيانه وهدم أركانه من القلب فلا يرجو ولا يخشى إلا الرب المدبر، جل وعلا، فبيده وحده أسباب النفع والضر، فلا يملكها المسيح عليه السلام ولا الإمام ولا الشيخ ولا الصالح ذو المقام المشيد، ولا الولي ذو الضريح المزين ولا المشرع ذو القياس الفاسد الذي يعارض به حكم الشارع، جل وعلا، فيدعي لعقله كمالا ويدعي للشريعة المنزلة قصورا ونقصانا، ومن اللسان فلا يدعو غير الله، جل وعلا، فـ: (إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، ومن الجوارح فلا تخضع إلا لباريها، جل وعلا، فهو المستحق وحده لأجناس التأله الباطن والظاهر، فلا اجتماع للنبوة مع الشرك، فمن أشرك، ثم ادعى الانتساب إلى نبي مرسل أو كتاب منزل، فدعواه متناقضة في نفسها، فأولها ينقض آخرها فالشرك ينقض التوحيد، وآخرها ينقض أولها فالتوحيد ينقض الشرك، ولذلك كان من عجائب فتاوى زماننا، ما أفتى به أحد المتسولين على موائد الشيطان التي تقام على شرف الوحدة الوطنية!، فزعم أنه لا يحوز للجنب مس الإنجيل والتوراة قياسا على القرآن بجامع التنزيل، فكلها كتب منزلة، وليست تلك العلة الصحيحة في قياس كهذا، فهي كلها منزلة بالنظر إلى أصلها الأول، لا بالنظر إلى وصفها بعد طروء التحريف عليها إلا ما استثني منها بحفظ الرب، جل وعلا، له من الكتاب العزيز فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وكثير من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير