تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في أعمال الأركان فلا تتحرك إلا في طاعة الرحمن، وتؤتي أكلها في أحكام الدنيا فيأمن المخالف قبل الموافق، فالعدل معنى عظمته النبوة، بل لا قيام لهذا العالم بغير العدل، سواء أكان ذلك شرعيا أم كونيا، فالعدل في الأجسام مظنة الاعتدال، والميل بزيادة أو نقصان في إفراز أو هرمون مظنة الاعتلال، والعدل في المعاني وسط بين الخلائق المذمومة، وتؤتي أكلها في السلم والحرب، فـ: "اغزُ باسم الله، وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدًا"، فتلك ثمرة عزيزة في الحروب المعاصرة، فلا تجد إلا التشدق بمعاهدات لا يلتزم بها القوي فهي سيف مسلط لاستئصال الضعيف، وتؤتي أكلها في العلائق الدولية، فـ: (إِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)، فلا يجوز الغدر، ولو سنحت فرصته وبردت غنيمته، والشاهد أن إقامة الوجه، وذلك من المجاز عند من يثبته في التنزيل، فيجري مجرى المجاز المرسل الذي علاقته الجزئية، وهو من الحقيقة عند من ينكر المجاز في التنزيل، فالوجه أول ما يتوجه به إلى الشيء فيقام تجاهه، فتلك إقامة الوجه الجسدي الظاهر التي تدل على إقامة الوجه القلبي الباطن فيصير المعنى حقيقيا، وإن كان كنائيا، فكنى عن الخضوع والاستسلام بإقامه الوجه على سبيل الطاعة والامتثال، ولا تمنع تلك الكناية من إرادة الحقيقة فالوجه، كما تقدم، أول الأعضاء توجها للأمر وانفعالا له بقبول أو رد، فيظهر ذلك لزوما على قسمات الوجه، وهو من جهة أخرى أشرف الأعضاء فخص بالذكر مئنة من كمال الخضوع والانقياد لخبر الشارع تصديقا وحكمه تأويلا بامتثال المأمور واجتناب المحظور، فإذا أقيم الوجه فهو مرآة القلب، فعليه تظهر حركات الباطن، كما تقدم، مهما اجتهد صاحبها في إخفائها، فـ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).

و:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة ******* وإن خالها تخفى على الناس تعلم

فإذا أقيم أقيمت سائر الجوارح تبعا، فقيامها ثابت من باب أولى، فإذا خضع الأعلى خضع الأدنى تبعا، فتعمر الجوارح بصنوف الأعمال التي تشهد لما قام بالقلب من الإرادات وعلى الوجه من آثارها، فتخلفها محال مع كمال الإرادة الباطنة والقدرة الظاهرة.

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا: فالحنيفية قيد فارق، فهي حال مقيدة، فلا تجزئ عبادة الله، عز وجل، إن أشرك العبد معه غيره فيها ولو كان العمل في أصله مشروعا ونية فاعله صادقة، فلا بد من تجريده للرب، جل وعلا، وقد يقال بأنها كاشفة فإقامة الدين لله، عز وجل، يلزم منها بداهة صرفه عن بقية الأديان، فـ: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فالكافر بالطاغوت قد عدل عن عبادته إلى عبادة الله، عز وجل، فهما نقيضان لا يجتمعان في قلب ولا يرتفعان، فلا بد أن يتحرك القلب بإرادة التأله لمعبود، فإما أن يسلك سبيل الأنبياء عليهم السلام فيصير من الحنفاء الذين مالوا إلى طريق الهدى وشرعة الحق، وإما أن يسلك سبيل أعدائهم ممن مالوا عن سبيل الحق إلى سبل وأودية الباطل فما أكثرها وما أبطلها بوقوع التناقض الظاهر في مقرراتها فـ: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، والإحداث في الديانة ولو بترك بعض أحكامها مظنة الفتنة: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، والفرقة فـ: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير