تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على قولهما: (رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى)، فنهى إيجابا وإرشادا فذلك من مزيد العناية بهم، فـ: (لَا تَخَافَا)، فذلك من جنس الأمر في قوله تعالى: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، ففيه، أيضا، من الإرشاد والعناية برفيق الغار، رضي الله عنه، ما فيه، ثم ذيل عقيب النهي بعلته ليكون أرسخ في النفس وأسرع إلى الامتثال والقبول: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، و: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، فتلك المعية الخاصة لآحاد الرسل والصالحين فبها يزول الخوف من القلب، فالطمأنينة لا تنال إلا بذكر الرب، جل وعلا، فإذا ذكر العبد ربه، جل وعلا، ذكره، تبارك وتعالى، فحصلت له المعية الخاصة بدوام الذكر والاستغفار، وهي تتفاوت بتفاوت الأعيان، فليست المعية الخاصة الحاصلة للرسل عليهم السلام كالمعية الخاصة الحاصلة لغيرهم، بل ليست المعية الخاصة الحاصلة لرسول كالمعية الخاصة الحاصلة لرسول آخر، وإن كانا جميعا من المصطفين الأخيار، بل تتفاوت بتفاوت الأحوال فبدوام الذكر يقوى أثر هذه المعية في قلب العبد، وبفتوره تضعف آثارها في القلب، وهم مع طروء عوارض المرض والألم عليهم إلا أنهم منزهون عن الأمراض المنفرة لمكان التبليغ فهم قبل الرسالة: أحسن الناس خَلقا وخُلُقا، فالمحال الباطنة والظاهرة زكية ابتداء، فاصطفاها الرب، جل وعلا، بكلماته الشرعيات فزادها زكاء على زكائها، فكانت مصطفاة بموجب الطبع، فإذا هي بعد الرسالة مصطفاة بموجب الشرع، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل عظيم قبل الرسالة قد شهد بعظمته البشرية القاصي والداني، العدو والصديق، فإذا به بعد اصطفاء الرب، جل وعلا، بالرسالة الخاتمة قد صار خير البرية فهو سيد ولد آدم ولا فخر، وذلك أمر يقع، أيضا، لغيرهم، ولكنهم ليسوا كالأنبياء بداهة، فرتبة النبوة لا مطمع في دركها بعلم أو عمل، فالجاهل قد يتعلم فيكمل بعد نقصان، ولكن كماله لا يبلغ درجة كمال النبوة، فرسمها العصمة، وليست تلك السمة مما ينال، كما تقدم، بكسب أو تهذيب، بل هي فضل محض من رب العبيد، جل وعلا، يظهر بوضعه في المحال الملائمة له التي أوجدها الرب، جل وعلا، ابتداء، وأعدها لتلقي الوحي على غير عهد أو رجاء سابق فـ: (مَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ)، فتلك رحمة النبوة، وأمدها به، فـ: (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ)، فيلقي الروح الملكي بالروح الشرعي، فروح القدس ينزل بروح الخبر والأمر الشرعي، فـ: (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فيظهر بكل ذلك كمال حكمة الرب، جل وعلا، الذي اختار تلك المحال الزكية دون سائر المحال البشرية لينزل عليها كلماته الشرعية من أخبار غيبية وأحكام تكليفية، فيحصل بتصديق الأولى وامتثال الثانية انتظام أمر العبد في نفسه، وانتظام أمر العالم، فالنبوة صلاح خاص وعام، للدين إقامة: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، وللدنيا عمارة فـ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، والشاهد أن لأولئك السادة ما ليس لغيرهم من الفضائل الكونية بكمال الباطن والظاهر، والفضائل الشرعية فهم أعلم الناس بالرب، جل وعلا، وأنصحهم لخلقه، وأبينهم لحجته الرسالية، فبعثوا برسم البشارة والنذارة: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير