تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الظلم، ولو دفاعا عن النفس، وإذا كانت الدولة للمؤمنين فلن تجد إلا العدل المفقود في زماننا، فلهم من وسائل الطلب لأهل الباطل ما يرفعون به الظلم عن الأمم التي تساس بغير النبوة، والضعف المؤقت لا يدوم، فالشدة بتراء لا دوام لها، وتلك سنة كونية فليس ثم بقاء إلا للآخر الواحد القهار، جل وعلا، فـ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)، فبعد الضعف قوة ترفع الظلم وتحكم الأرض برسم النبوة، فذلك موعود الرب جل وعلا: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فإذا صار التوحيد للرب المليك، جل وعلا، باطنا وظاهرا، ولاء وبراء فيه، محبة لأوليائه ونصرة لهم على أعدائهم، وبغضا لأعدائه من الكفار الأصليين وأذنابهم من المرتدين والمنافقين وانتصارا لأهل الحق منهم، إذا صار التوحيد كذلك، فالتمكين حاصل، فتلك سنة ربانية نافذة، فحيث كانت النبوة ظاهرة، فالأرض ببركاتها طيبة طاهرة، فهي روح العالم الذي تصلح به أركانه، صلاح أركان البدن بالروح اللطيف المخلوق، فالروح من أمر ربي يبثها في أركان الأمم بكلمات الوحي الهادية: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)، كما يبثها في أركان البدن بكلمات الكون الخالقة فـ: (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، وحيث درست آثارها فخراب الدنيا وشيك، والظلم أظهر أماراته، كما هي الحال في زماننا، الذي لا يأمن فيه كثير من المستضعفين والمستضعفات من أهل الإيمان الصادق، على أديانهم وأبدانهم، ولو كانت الدولة للنبوة ما قهر متدين على ترك دينه، ولو باطلا، وتاريخ العالم خير شاهد على ذلك، فدين التوحيد: دين: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، فصدرت الآية بالنفي العام لا على سبيل الرضا بدين الكافر، وإنما على سبيل إقراره على معتقده برسم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، مع إنكاره فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)، فـ: (لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وصور الجعل الكوني في هذا الباب كثيرة، فجعل الغني فتنة للفقير أيصبر على فقره ويرضى بما قسم له الرب الحكيم، عز وجل، برسم: "اسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزْ"، فبذل السبب برسم الاستعانة مطردة للذم بالقعود والكسل، وجعل الفقير فتنة للغني: أيصبر على أداء حقه فلا يغفل عنه، لا سيما إن كان مستضعفا يطلب النصرة والحماية برسم الديانة، كحال كثير من أحرار وحرائر المؤمنين والمؤمنات في زماننا، فقد ضربوا مثلا لدين متين ظن بعض من جهل أنه مات وقبر، فهم شهود بلسان الحال الكاملة على صحة الرسالة الخاتمة التي تصنع البشر على عين الوحي، فيصنعهم الرب، جل وعلا، صناعة مصعب، رضي الله عنه، فإذا الشاب العافي قد صار جلدا خشنا يكابد الآلام في سبيل رب الأنام، جل وعلا، فلا منحة بتمكين إلا بعد محنة بآلام كآلام المخاض فيولد الفجر من رحم الليل، وتشرق الأرض بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ)، ولا نصيب في هذا الفرح إلا لمن اصطفاه الرب، جل وعلا، فاستعمله في الصد والمدافعة، ثم الطلب والمبادرة، فلكل حال كونية: أحكام شرعية، فالجعل الكوني يعين نظيره

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير