تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

استطالوا على أهل الإسلام في بلادهم! بالتآمر مع المنافقين الذين ساموا الموحدين خطة الخسف والقهر والإرهاب الفكري والبدني، وما تسلط كل أولئك إلا بذنوب أهل التوحيد، وجاءت النصرانية برسم الجمال شفاء لقسوة قلوب يهود فهي: (كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)، فهي كالحجارة بل أشد، وأما الرسالة الخاتمة فقد جاءت برسم الكمال لمكان العالمية والختام، فـ: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ).

والشاهد أن الزور يعم هذه الصورة القادحة في التنزيل بوسمه بالإفك، وليس إفك أعظم من ذلك، ويعم أيضا اللهو والغناء فهو من زور القول، كما فسره به محمد بن الحنفية، رحمه الله، ومنه الغيبة والنميمة، فالقاعد عن الإنكار مع انتفاء المانع من إكراه ونحوه، شاهد لزور: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)، ومنه الخوض في آيات الرحمن، فـ: (إِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، فذلك زور يوجب الإنكار أو الانتقال لئلا يصيب القاعد شؤم مقالة الزور بالخوض في الشبهات تأويلا للأخبار وتعطيلا للأحكام، فضلا عن الاستهزاء الصريح، فـ: (قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)، فمن زور القول ما يقدح في كمال الإيمان الواجب كالغيبة والنميمة، ومنه ما يقدح في أصل الدين كالاستهزاء بآيات رب العالمين، ومنه نوع خفي هو من الزور القلبي تنحل فيه عرى الحب والبغض الإيماني، فتشرب القلوب مقالة أهل الباطل من كفر أو بدعة، ولو برسم الرضا والإقرار، بل والمداهنة وإعطاء الدنية برسم الصغار، فينطق اللسان الآثم بالثناء الكاذب على أهل الباطل، فيضرب الرب، جل وعلا، رق الذلة على القلب المنكوس، ويظهر ذلك لزوما على القول المنطوق، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فلا ينفك زور الباطن عن أثر ظاهر.

ومن الزور: زور عملي فهو أيضا ترجمة فورية دقيقة لزور الباطن، ومن أظهر صوره في زماننا كما فسره مجاهد رحمه الله: شهود أعياد الكفار تهنئة أو مشاركة فهي من النوازل العامة التي ابتلي بها أهل الإسلام ومنهم من ينتسب إلى العلم وليس له من سمته شيء، فليس ثم إلا جملة من المسائل قد آذنت بالرحيل لما دعا داعي العمل فتخلفت النفس لفساد النية والإرادة، فمثلهم كمثل: (الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، ولا نسمع أصواتهم المنكرة إلا في محافل الرياء برسم إعطاء الدنية في الدين، فيبذل أولئك من معتقدهم ما يبذلون إرضاء لمن لا يرضى، فـ: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، فالأعياد من جملة العقائد، كما في حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه، مرفوعا: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام"، فالقصر بتعريف الجزأين مئنة من الاختصاص، فتلك الأيام عيدنا أهل الإسلام، ففي التنويه بالنصب على الاختصاص زيادة تقرير لخصوصية تلك الأيام بأهل الإسلام فهي علامة فارقة بين أمة الإسلام وسائر الأمم، والعلامات الفارقة بين الملل والنحل مما يحرص أهل كل دين أو مذهب على إظهاره فهو شعار يحصل به التمايز بين الحق والباطل عند صاحبه ولو لم يكن كذلك في نفس الأمر فكل يظن نفسه على الحق وأدلة النقل والعقل هي الفيصل عند أولي الألباب ممن خلعوا ربقة التقليد وتحروا لأنفسهم في أصول وفروع الدين، ولذلك حسن في هذا الزمان الذي اختلطت فيه الأوراق، وبردت فيه حرارة الإيمان في قلوب كثير من المداهنين والمرائين تحصيلا لمكاسب عاجلة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير