تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه"، فأضعف الإيمان أن ينكر القلب خذلان المؤمنين والمؤمنات من المستضعفين والمستضعفات إن لم يستطع لهم نجدة، وأن يبذل وسعه في نصرتهم معذرة إلى الرب القادر على نصرتهم، فحسن التنبيه حضا على لزوم ذلك الأصل الجليل، وتحذيرا مما يقدح فيه من صور المظاهرة القلبية واللسانية والفعلية للكفار، وكلها، تقريبا، واقعة في زماننا!، فالقدح فيه: قدح في صحة الديانة فليس انتحاله ترفا علميا من جنس ما صرفت فيه أوقات وأعمار من إشعال معارك وهمية في مسائل خلافية، تحريرها: مطلب شرعي جليل، ولكنه مما لا تتوقف عليه صحة الإيمان، فحقه التأخير لا غمطا له، فغمط الشريعة أصولا أو فروعا مظنة الزندقة بل الكفر فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، وإنما ترتيبا للمسائل وتقديما للأولويات الشرعية الملحة لا سيما إن كانت نوازل عامة أو خاصة، فواجب الوقت يختلف من عصر إلى عصر، ومن مصر إلى مصر، بل من وقت إلى وقت في اليوم الواحد، بل من فرد إلى فرد في البلد الواحد.

فـ: من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله:

فذلك من التذييل بذكر لازم الإيمان من حب الرحمن، جل وعلا، ولازم الكفران من غضب الجبار تبارك وتعالى، وهو جار على ما تقرر في الشرط الذي يرد في معرض ترغيب أو ترهيب، فهو خبري المبنى، إنشائي المعنى، فيفيد الأمر بحبهم فهو الذريعة إلى حب الله، عز وجل، وحب رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والنهي عن بغضهم فهو الذريعة إلى ضد ذلك، فتأويله: أحبوهم فحبهم مئنة من كمال الدين ولا تبغضوهم فبغضهم، ولو لأمر دنيا مئنة من نقصان الدين، فكيف بمن أبغضهم لأجل دينهم فهو مبغض له ولمن جاء به ولمن أرسله وليس كفر أعظم من ذلك، وإن جرى مجرى اللازم، فليست تلك مقالة صريحة إلا لزنديق خالص.

والمعنى يعم كل الصحب والآل، رضي الله عنهم، فذكر الأنصار هنا ليس مخصصا للحكم، بل من أحب المهاجرين فهو أولى بالحب، ومن أبغض المهاجرين فهو أولى بالبغض، فمكانتهم أعلى من الأنصار لمكان السبق إلى التصديق والتأييد، وهكذا يترقى القياس في الأولوية، فمن أبغض من عظمت محبته في قلب صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: "من أحب الناس إليك قال: عائشة"، فقد استحق بغض وغضب الرحمن، جل وعلا، بل قد مرق من الديانة ببغضه من يحبه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتلك مئنة ظاهرة من بغضه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكيف بمن رماه بما نفاه التنزيل جزما، فقد اجتمعت له أسباب الكفر تترى!، فهو مؤذ للرسول بإيذاء حبيبه، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، فأعد العذاب المهين لمن آذى الله ورسوله، ولا يكون العذاب مهينا إلا لكافر أصلي أو مرتد أو منافق نفاقا أكبر، كما حرر ذلك بعض أهل العلم، فإيذاؤه صلى الله عليه وعلى آله وسلم على جهة القصد: كفر، وإيذاء بقية المؤمنين بهتان قد يصل إلى حد الكفران لو كان لأجل دينهم فيكون ذلك مئنة من بغض فاعله للدين لا لأعيانهم، وهو قادح فيه بالقدح في فراشه الطاهر، فـ: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)، روى اللالكائي في أصوله بإسناده إلى الحسن بن زيد: "لما ذكر رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير