تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور، آية 26].

فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه"، وهو مكذب للتنزيل المتواتر المبرئ للفراش الطاهر، كما قال الإمام مالك رحمه الله: "من سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن"، يقول ابن حزم، رحمه الله، في التعليق على هذا الحكم الحاسم لمادة الزندقة والكفران: "قول مالك ها هنا صحيح، وهي ردة تامة، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها"، وهو قادح في حكمة الرب، جل وعلا، فقد اصطفى لخير الخلق وأطيبهم شر فراش وأخبثه!، فالحكم بكفر من زعم ذلك متعين لإنكار معلوم ديني ضروري، وليس ذلك مما تخفى حجته اليقينية، فهو من أظهر مسائل الدين.

وجاء الجناس بين فعل الرب، جل وعلا، "أحبه الله"، وفعل العبد، "أحبهم"، ليزيد معنى الجزاء تقريرا، فالجزاء من جنس العمل، فالمشاكلة حاصلة في اللفظ، وفي أصل المعنى الكلي في الذهن، دون حقيقته الجزئية في الخارج، فحب الرب، جل وعلا، يباين في حقيقته حب العبد، وإن اشتركا في أصل المعنى.

وكذلك الشأن في الشطر الثاني من الشرط، فالجناس والمشاكلة فيه من جنس الجناس والمشاكلة في الشطر الأول، وجاء إظهار اسم الله، عز وجل، في الشطر الثاني، وقد تقدم فحقه الإضمار اللفظي، جاء عناية بتقرير المعنى في معرض الترغيب ثم الترهيب فلا قيام للدين إلا بالمزاوجة بينهما، فرجاء ورغبة يحملان على الفعل، وخوف ورهبة يحملان على الترك.

و: الأنصار: "كَرِشي وَعَيْبتي"، فهم موضع سره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يضع المرء سره إلا حيث أحب، فـ: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فالله، عز وجل، أعلم حيث يجعل رسالته بلاغا إلى الناس فتلك وظيفة الرسول، وأداء إلى أمم الأرض برسم: "بلغوا عني ولو آية"، فتلك وظيفة أتباعه، والأنصار من خاصتهم، ولا يصلح لحمل هذا الأمر بداهة إلا خاصة الرسول من أصحابه الذين علموا من حاله وأخلاقه ما لم تعلمه القرون التالية، فليس الخبر كالمعاينة، فهم أعلم الناس بألفاظ الوحي ومعانيه وأفقه الناس بمراده ومراميه، فحبهم فرع عن حب من نزل عليه، فمن أحب ما جاء به من الهدى أحب من حمله إليه، ولم يحمله إلى أمم الأرض إلا أصحابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المهاجرين والأنصار، ولذلك كان حبهم من حبه، وبغضهم من بغضه، وكان حبهم من الإيمان فقد حملوا أركانه وأحكامه إلينا، وكان بغضهم من الكفر والنفاق.

فحبهم لأجل ما حملوه من الوحي المنزل: إيمان به، وبغضهم لأجله: كفر به، وبغضهم لغيره فسق يخشى على صاحبه فلا يجد في نفسه على أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا مفتون، وإلى ذلك أشار ابن حزم، رحمه الله، في "الفصل" بقوله:

"ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر لأنه وجد الحرج في نفسه مما قد قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من إظهار الإيمان بأيديهم ومن عادى عليا لمثل ذلك فهو أيضا كافر وكذلك من عادى من ينصر الإسلام لأجل نصرة الإسلام لا لغير ذلك". اهـ

وهو ذريعة إلى إبطال الدين بالقدح في أولى حلقات إسناده، ولذلك نال أولئك السادة، من الكفار الأصليين لا سيما كفار أهل الكتاب قديما وحديثا والزنادقة من المنافقين والعلمانيين وأصحاب البدع المغلظة، نالهم من تلك الشراذم ما نالهم من صنوف القدح والبغض والسب، فـ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، فإذا سقطت عدالة الصدر الأول سقط إسناد الدين جملة وتفصيلا، كما أشار إلى ذلك القاضي عياض، رحمه الله، بقوله: "وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة ....... لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن، إذ ناقلوه كفرة على زعمهم، وإلى هذا - والله أعلم - أشار مالك في أحد قوليه بقتل من كفر الصحابة". اهـ بتصرف

وقال ابن عقيل رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير