تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

البدن منعما، فـ: "إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، فالصورة قد تحسن في عين طلاب الدنيا الفانية برسم: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)، ولكنها لا تخدع أصحاب الديانة الكاملة برسم: (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ): فالخيرية منزوعة التفضيل فليس فيما كان فيه قارون خير وإن ظهر ذلك بادي الرأي، فلا خير في الدنيا يعدل خير الآخرة، فخيرها كلا خير بل هو عين الشر إلا ما كان في سبيل الله عز وجل من دم أو مال أو جاه.

فيكون الإرسال على وجهين: إرسال النبي فهو حقيقة في الإرسال الشرعي المعهود فينزل الرسول الملكي على الرسول البشري بالوحي، برسم: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)، وإرسال أتباعه برسم: "اللَّه ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللَّه، ومن ضيق الدنيا إلى سعتهما، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود اللَّه. قالوا، (أي الفرس): وما موعود اللَّه: قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي"، فهو مجاز بالنظر إلى حقيقة الإرسال الشرعية المعهودة، فالأصل في الألفاظ عموما: حملها على الحقيقة فلا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر حمل الكلام على الحقيقة المركبة من مادة اللفظ المعجمية والسياق الذي ترد فيه فهو أصل في تعيين مراد المتكلم، فضلا عن القرائن الخارجية من نصوص أخرى، أو من قياس العقل الصريح حيث يجوز استعماله فلا مجاز في غيب لا يدرك العقل كنهه ابتداء فالقرينة العقلية ممتنعة في الغيبيات جائزة في الحكميات بل هي أصل القياس الشرعي بملاحظة العلة المؤثرة في تشريع حكم الأصل فيقاس عليها ما يحدث من الفروع، والأصل في الألفاظ الشرعية حملها على الحقيقة الشرعية، فالإرسال ينصرف بداهة إلى الإرسال الشرعي، وهو واجب في حق الرسل عليهم السلام ممتنع في حق غيرهم لمكان الاصطفاء في هذا الباب، كما تقدم، فيكون لفظ الإرسال: المذكور في حق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمقدر في حق غيره جاريا مجرى الجناس، فاللفظ واحد، والمعنى الكلي الجامع واحد، فمادة الإرسال في كليهما ظاهرة وإن اختلفت الجهة، كما تقدم، فليس إرسال النبيين برسم التبليغ كإرسال الصالحين برسم الدعوة، فاللفظ واحد ولكن المعنيين متباينان، فإرسال كلٍ يستقل بمعنى لا يوجد في الآخر، فلم يوح إلى الأصحاب رضي الله عنهم ولم يشارك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فتوح البلدان وإن وقع التمهيد لذلك في عهده بجملة من السرايا والغزوات، فلفظ الإرسال بالنظر إلى المعنى الشرعي المعهود: حقيقة في الرسل عليهم السلام، مجاز في حق أصحابهم، وذلك من شواهد الجمع بين الحقيقة والمجاز، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

والضمير في: "معه": يرجع ابتداء إلى أصحاب الحديبية لقرينة السبب، ولكن معنى الصحبة العام يشمل كل أصحابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالعبرة بعموم المعنى، فالصحابة، رضي الله عنهم، عدول كلهم، فيكون للضمير مرجعان: خاص بأهل الحديبية تنويها بشأنهم الخاص فهم أصحاب بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم، على جهة الجزم، فهو خبر لا يقبل النسخ، فـ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)، فرضي عنهم تحقيقا مؤكدا باللام و: "قد" الداخلة على الماضي فرضي عنهم لأجل بيعتهم التي جاءت على حد المضارعة استحضارا لتلك الصورة الشريفة فعلم بعلمه الأول: تقديرا لتلك البيعة في عالم الغيب وعلم بعلمه الثاني: إحصاء لما صدر من أهلها من بيعة على الموت انتصارا للشهيد المظلوم عثمان رضي الله عنه، فعلم ما في القلوب فهو مطلع عليها، فيعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فلا يخفى عليه من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير