تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمرهم الحاضر والمستقبل شيء فهم المصطفون برسم الصحبة والبيعة العامة على الإسلام ثم البيعة الخاصة على القتل، فـ: "ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر"، فاستثني من العموم منافق واحد حضر البيعة فهو خلاف الأصل بداهة، فرضي عنهم لما علم في قلوبهم من مادة الصدق والإخلاص في البيعة مع نقص العدة فأنزل السكينة عليهم والنزول لا يكون إلا من علو، فكلما علت ذات وشأن المنزِل علا قدر المنزَل، فالعلو مئنة من شرفه، فكيف إذا كان المنزِل هو الرب، جل وعلا، فله العلو المطلق: الذاتي والوصفي شأنا وقهرا، فالسكينة النازلة من عنده عظيمة القدر، جليلة الشأن بداهة فهي من آثار كلمات الرب، جل وعلا، الكونية فبها يثبت الرب، جل وعلا، المؤمنين، برسم: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا)، فتلك حالهم الحاضرة، وحالهم المستقبلة: (وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا): فجاء الماضي مئنة من تحقق وقوعه فذلك أعظم في البشارة، ونكر الفتح مئنة من التعظيم وقُرِّب مئنة من التعجيل فاجتمع في البشارة عظمها وقربها معا، وذلك من كمال المنة الربانية على تلك الثلة المباركة من الأصحاب، رضي الله عنهم، والفتح هو فتح خيبر، فهو أول فتح بعد الصلح، وقد حمله بعض أهل العلم كابن كثير، رحمه الله، على ما تلا تلك البيعة من الفتوح الربانية بما فيها الصلح نفسه، فهو فتح باعتباره سببا لما تلاه من فتوح من خيبر إلى مكة، فيكون ذلك من قبيل التنويه بشأن هذا الصلح العظيم، ويكون، أيضا، من قبيل ذكر السبب وإرادة المسبَّب، فكل ما تلاه من فتوح قد صدر منه وذلك أليق بسياق الامتنان فتعظم المنة بتعدد صورها، ومن غيرهم أحق بها وقد بذلوا من الوعود الصادقة والجهود المخلصة ما بذلوا نصرة للرسالة الخاتمة فقاموا بها خير قيام في زمن النبوة ثم حملوها برسم الفتح المبين إلى سائر أمم العالمين، فذلك أيضا من جملة الفتوح التي تلت ذلك الصلح وهي عند التدبر راجعة إليه، ويشهد لذلك، كما ذكر ابن كثير، رحمه الله، قوله تعالى في الآية التالية: (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا)، ولم يزل أحفاد تلك الأمم التي أخرجها الرب، جل وعلا، بتلك الثلة المباركة من ظلمة الشرك والقهر والاستبداد برسم السياسة الملوكية الجائرة تارة وبرسم الديانة الكهنوتية الباطلة أخرى إلى نور التوحيد والعدل، لم يزل أولئك ينعمون بآثارها، ففضلهم عظيم القدر ممتد الأثر، فلا زال أمر الدين في زيادة إلى يومنا مع عظم الغربة، فدين التوحيد أسرع الأديان انتشارا وإن كان بلا حديد ناصر في زماننا، فكتابه الهادي بمسائله ودلائله، بأخباره وحججه، ظاهر لا ينكسر أمام حجة خصومه فـ: (الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) فليس ثم إلا شبهات يحملها الخلف عن السلف، فبئس الوارث وبئس الموروث، في مقابل إرث النبوات فنعم الإرث وهنيئا لمن حمله فقام بأمره قيام الصدر الأول به فهو معقد ولائه وبرائه الأول، وهو همه الأوحد.

فيكون للضمير مرجعان: خاص يقتصر على أهل الحديبية، وعام يشمل بمعناه الصحابة كلهم، فذلك من التنويه العام بشأن كل من بلغ تلك الدرجة الرفيعة، فلا ينالها أحد بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد انقطعت بوفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما انقطع الوحي.

وحمل الضمير على المرجعين على جهة الاشتراك اللفظي بين المرجع الخاص والمرجع العام مما يزيد المعنى ثراء، فهو شاهد لدلالة المشترك على كلا معنييه: الحقيقي والمجازي على ما تقدم من كلام صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله من تجويز الجمع بين الحقيقة والمجاز فلكل وجه يحتمله اللفظ ولا يرده السياق بل يزداد به ثراء، وذلك أليق بكلام رب العالمين فمبنى التنزيل أفصح مبنى، فإيجاز حيث يحسن، وإطناب حيث يحسن، ومعناه أبلغ معنى، و: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير