تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فوصفهم في التنزيل: أشداء عَلَى الْكُفَّارِ: فذلك من جنس العزة المفقودة، فهم أشداء: شدة حسية في ساحات القتال التي تتعارك فيها الأبدان انتصارا للأديان، أحق ما بذلت فيه الدماء والأموال، وذلك أمر مشهود في تاريخ حروب البشر فأشرسها الحروب الدينية ولو كان المقاتل على عقيدة باطلة، فشدتهم ليست غلظة بمظلمة، فالظلم باطل في كل نبوة، والعدل قوام شريعة رب العالمين التي بعثت بها الرسل عليهم السلام، وإنما شدة بحق، برسم: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، واليوم تسلم البلاد ويسلم المؤمنون المستضعفون أخيرا لكفار أهل الكتاب برسم الذلة والصغار فلا شدة إلا على أهل الحق برسم الحرب الكونية على الإرهاب والتطرف الذي يكافئ الإسلام في زماننا!، فشدتهم في موضعها، فلا تنافي البر بالمعاهدين وأهل الذمة برسم: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، ولا يكون ذلك إلا برسم العزة، لا الذلة التي تكتسي بثوب زور من السماحة المزعومة، فالشدة: حسية برسم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، ومعنوية برسم: "لا تبادروا أهل الكتاب بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"، فالسلام لأهل الإسلام، وأي تحية أخرى لغيرهم برسم الأدب لا الذلة وإعطاء الدنية، فمادة الشدة تقبل الانقسام إلى محسوس ومعقول، ولكل محله الذي يلائمه، كما أن للين محله الذي يلائمه فلا يحسن وضع اللين في موضع القتال أو إظهار العزة في موضع اللين في الدعوة برسم: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فالآيات جارية على سنن النسأ لا النسخ، فلكل زمان فقهه، ولكل موقف حكمه، ولكل ميدان سلاحه، ففي عراك الأديان يكون السلاح حجة وبرهانا، وفي عراك الأبدان يكون السلاح سيفا وسنانا، ولا يحسن، أيضا، وضع اللين في موضع الشدة وإظهار العزة لا سيما إن تطاولت شراذم الكفار على المسلمين في ديارهم فكيف لو كنا في ديارهم فكانوا هم الكثرة ونحن القلة وقد صار كثير من المسلمين في أمصارهم أقلية مستضعفة ضرب عليها الرب العلي بقدره الكوني رق الذلة حتى تراجع دينها، فوضع كل خلق في غير محله واستعماله على غير وجهه الذي وضع له إهدار للطاقة النفسانية، فـ:

ووضعُ الندى في موضع السيفِ بالعلا ******* مضرٌّ كوضع السيفِ في موضع الندى

و: "على": تفيد الاستعلاء، وذلك مما يلائم موضع الشدة، فالاستعلاء مظنة التمكن، فتكون الشدة مؤثرة في أهل الإسلام رفعة بلا علو في الأرض، وفي أهل الكفر ضعة بلا ظلم، وتلك من المواضع الدقيقة التي يقع فيها غالبا: الإفراط فيقع التعدي بالظلم، والتفريط وهو الغالب في زماننا فتقع المداهنة الباردة التي لا تزيد الكفار إلا كبرا وصلفا والواقع خير شاهد على ذلك، فكلما قدم المسلمون تنازلا ازداد الكفار شرها إلى تنازل جديد حتى تصير الدولة الفعلية لهم وإن كانت الدولة الاسمية لغيرهم، فالدولة حقيقة: نفوذ مؤثر برسم السياسة والحرب والاقتصاد، ولا تقوى تلك العناصر فتصير فاعلة إلا إن كانت صادرة من ديانة، ولو باطلة، فالدين، كما تقدم، أعظم محرك لأي شعور باطن أو فعل ظاهر.

رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ: فعلى جهة المقابلة: رحماء بينهم، فالذلة بينهم برسم الرأفة كائنة، وهو، أيضا، مما يفتقده أهل الإسلام في زماننا، فـ: (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)، وذلك مما ورد في وصف الكفار والمنافقين!، و: (هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)، وقد كان، فقد صار أهل الملة الخاتمة شيعا سواء أكانت نحلا تتباين في المعتقد فيقع التباغض والتضاغن بينها لا محالة فاختلاف القلوب،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير