تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخبر، و: رأيت زيدا فاهما: يدل على اتصاف زيد بصفة الفهم التي اشتق منها الحال، ففي كلتا الحالين: الإطناب بالأوصاف يلائم سياق المدح لأولئك الأفاضل بتلك الصفات النفسانية الكاملة، فمنها اللازم في النفس إخلاصا في العبودية ابتغاء مرضاة رب البرية، ومنها المتعدي: شدة على أهل الكفران وذلة لأهل الإيمان.

فـ: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً: فنكر الفضل تعظيما، فضلا عن صدوره من الله، عز وجل، فذلك من ابتداء الغاية الذي يحتمل:

ابتداء غاية الوصف من الموصوف: فالفضل من الله: رحمة ورضا، فـ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، والخيرية هنا، أيضا، منزوعة التفضيل، فلا وجه للمقارنة بين فضل الله، عز وجل، الذي ادخره لعباده الموحدين فهو باق، وبين ما جمعوه فكل مدخر في الدنيا فان.

أو: ابتداء غاية الأثر المخلوق لذلك الفضل فهو فضل بداهة من خالقه جل وعلا، فالرزق في دار الابتلاء من فضله وهو مما يسأله المؤمنون في هذه الدار برسم: "اللهم أسألك علما نافعا ورزقا واسعا"، وليس ذلك مما يعيب أهل الإيمان في شيء، فـ: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، و: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، فالأكل من النعم الكونية التي يقابلها التكليف الشرعي بالعمل الصالح شكرا، فالشكر يعم القلب واللسان والجوارح، ففسر إجمال الشكر في الآية الثانية بالعمل الصالح في الآية الأولى، وهو عمل منه: القلبي بأجناس العبوديات الباطنة من خوف ورجاء .... إلخ، ومنه: اللساني من ذكر وتلاوة، ومنه: العملي بالجوارح صلاة وحجا وجهادا ..... إلخ.

والجنة في دار القرار من فضله فهي مبتغى أصحاب الهمم الشريفة من أهل الشريعة.

ونكر الرضوان فهو من الله، عز وجل، أيضا، لقرينة ما تقدم من صدور الفضل منه، جل وعلا، فدل المذكور المتقدم على المحذوف المتأخر، والرضوان قد ورد تفسيره في موضع آخر من التنزيل، فـ: (رِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)، فنكر تقليلا، فأقل رضوان منه، جل وعلا، أعظم، وقد فسر برؤيته، جل وعلا، فهي أشرف أجناس النعيم في دار النعيم السرمدي.

سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ: فسيماهم في وجوههم بسبب أثر السجود، فـ: "من" في هذا الموضع: سببية، والسجود معنى ظاهر في الشعيرة المعهودة، ومعنى باطن هو مئنة من كمال الخضوع للرب المعبود، جل وعلا، فعنه يصدر فعل الجارحة بالسجود الظاهر، فتكون السيما: باطنة يظهر أثرها على الوجه لزوما، وقد فسرت، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، بثلاثة تفسيرات:

الأول: السيما المعهودة من أثر السجود الظاهر بلا تكلف أو رياء.

والثاني: السيما الباطنة فنور القلب إن كان خاضعا للرحمن، جل وعلا، يشع لزوما الجوارح.

والثالث: السيما في دار الجزاء، وهو تفسير أبي بن كعب، رضي الله عنه، ولا يمنع إعمال أحدها إبطال غيره، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، بل هي، عند التحقيق، متلازمة، فالتلازم بين الباطن والظاهر، والتلازم بين العمل في دار الدنيا والجزاء في دار الآخرة: تلازم وثيق، وذلك، أيضا، يجري مجرى اختلاف التنوع في التفسير فكل الأوجه صحيحة، بل متلازمة متعاضدة، كما تقدم، فيكون المعنى العام واحدا، وتقوم تلك التفسيرات مقام الآحاد أو الأفراد الشارحة فالتمثيل للعام بفرد من أفراده يزيده بيانا ولا يخصصه فيمنع دخول غيره معه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير