تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الرسول إليهم ملكا من جنسهم فـ: (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا)، فذلك من كمال الحكمة الربانية ببعث الرسول من جنس المرسَل إليهم، بل النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كان رسولا إلى الثقلين إلا أن النذر الذين صدروا عنه: جان، فـ: (إِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)، فكان المبعوث ولو برسم النذارة من جنس المرسَل إليهم فذلك أدعى إلى القبول وآكد في قيام الحجة، و: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)، فهو عبد مخلوق فذلك حسم لمادة الغلو في حقه الحاصلة بإنزاله منزلة الألوهية! فالعبد ليس ربا إلا على مذهب أهل الاتحاد وفيه ما فيه من نعت الخالق الكامل، جل وعلا، بنعوت المخلوق الناقص وذلك باطل ضرورة لا تفتقر إلى دليل نظري، ولكنه مع ذلك مبعوث بالكتاب برسم النبوة فذلك حسم لمادة الجفاء في حقه الحاصلة بإنزاله منزلة عموم البشر، فهو من صفوتهم بل من صفوة الصفوة قالمسيح عليه السلام من أولي العزم عليهم السلام، وأما وصفهم في أرواحهم، فذلك مما اصطفاهم الرب، جل وعلا، به، فمنصب الرسالة منصب شريف لا ينال باجتهاد أو تحصيل، واتصال الروح الأمين بهم حال الإيحاء يدخلهم في طور لا يقوى على احتماله إلا الأنبياء عليهم السلام، فـ: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي"، فلا يخرجون عن بشريتهم خروجا كاملا، وإنما يعتريهم من أطوار الكمال العلمي بمباشرة الوحي الإلهي ما لا تحتمله أجساد بقية البشر، فيصيبهم من الجهد ما صورته عائشة، رضي الله عنها، بقولها: "ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا"، فذلك مئنة من شدة الجهد، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فكيف إن كان الأمر فوق طاقة البشر، فلا حيلة لهم في تحصيله، وإنما يصطفي الرب، جل وعلا، له من شاء من أولي العزم، فـ: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فلا يختار لها بحكمته البالغة إلا الصفوة خَلقا ظاهرا وخُلُقا باطنا، وهل أعظم من الأنبياء عزائم، وهل أصح منهم إرادات، وهل أكمل منهم علوما، وهل أصدق منهم بلاغا، وهل أفصح منهم بيانا، وهل أدوم منهم طاعة، وهل أخلص منهم نسكا برسم: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)؟!. فـ: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فحصل التذييل بوصفي السمع والبصر فيدلان لزوما على وصف العلم فالرب، جل وعلا، كما تقدم، عليم بالمحال فيصطفي منها ما يشاء بإعداده لقبول آثار الرسالة، فـ: (إِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ)، وما نالوا ذلك إلا برسم: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، ولكن إمامتهم إمامة عظمى برسم النبوة، وإمامة غيرهم تبع لهم برسم الصديقية والشهادة والولاية .... إلخ من المراتب الدينية الشريفة.

وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه:

فذلك احتراز في نفي مقالات الشرك الغالية تقريرا لمعنى الوحدانية، فجاء النص على الوحدانية في سياق مؤكد بالناسخ الحرفي فضلا عن القصر بالنفي والإثبات، ثم جاء التوكيد بالنص على مفهوم شهادة الوحدانية بنفي الشريك، ثم جاء التوكيد على عبودية الرسول الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم حسما لمادة الغلو على ما تقرر في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)، ثم جاء النص على جهة التوكيد على وصف العبودية البشرية الطينية والرسالة النورانية للمسيح عليه السلام ورسالته، على ما تقدم في إثباتها للنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كان الأمر في حق النبي الخاتم صلى الله عليه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير