تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أعدائه إلا صلابة وظهورا تأويلا للموعود الرباني: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، فكل ذلك بداهة مما يؤيد صحة هذه الرسالة فهي مسك ختام النبوة، وتلك براهين من النقل والعقل والحس تدحض شبهات أهل الجفاء في النبوات، وفي مقابلهم أهل الغلو في الأنبياء عليهم السلام حتى زعم من زعم ألوهية المسيح عليه السلام أو تجسد وصف الكلمة الربانية في ناسوته الشريف، فهو شريف القدر عظيم الشأن ولكن ذلك لا يجوز الغلو فيه إطراء له بما ليس فيه من أوصاف الإلهية، فلم يخرج عن حد البشرية، فـ: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وإن كانت من أرفع أجناس البشرية، فليس ثم أرفع درجة من درجة أولي العزم عليهم السلام، وتابعه من تابعه من أهل القبلة غلوا في النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاء النهي الصريح عن الإطراء في حديث عمر، رضي الله عنه، مرفوعا: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله"، وإن لم يصل إلى ما وصل إليه الغلاة من لاهوتية لا أصل لها من نقل أو عقل، فالغلو في المسيح قد عم وطم، فرضيته نفوس جاهلة لم تقدر الرب، جل وعلا، حق قدره، فغلت في حق البشر وجفت في حق الرب، جل وعلا، فنسبت إليه وصف النقص من اتحاد ذاته أو وصفه بمخلوق حادث، وإن كان شريف القدر، فلا ينفك ذلك عن نقص قد انتفى ضرورة عن الباري، عز وجل، فتلك من آكد ضرورات العقل الصريح، بل هي آكدها تقريرا، فحسن التنبيه على بشرية المسيح عليه السلام خصوصا، وإن كان ذلك ثابتا في حق بقية البشر عموما، حسن ذلك لما وقع ولا زال يقع في حقه من غلو هو منه براء برسم: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فهو عبد الله، عبودية إيجادية عامة يشترك فيها مع بقية الخلائق، وعبودية إيمانية يمتاز بها وسائر النبيين والصالحين عن بقية البشر.

وهو الكلمة التي ألقاها إلى البتول عليها السلام برسم: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فبها كان، كما أشار إلى ذلك ابن أبي حاتم، رحمه الله، بقوله: " (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) قال: ليس الكلمة صارت عيسى، ولكن بالكلمة صار عيسى". اهـ

فذلك من إطلاق السبب وإرادة المسبَّب الناتج منه، كإطلاق السماء على الزرع، فأطلق الماء النازل فهو السبب وأراد الزرع فهو المسبَّب الناتج منه، برسم: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ)، فالسببية هنا ظاهرة، فالباء نص فيها، بخلاف السببية في إطلاق المسبَّب الناتج منها، ففيها نوع خفاء ولطف يناسب مقام التشريف للمسيح عليه السلام بإضافة الكلمة التي خلق بها المسيح عليه السلام خصوصا إلى الرب، جل وعلا، الذي صدرت منه صدور الوصف التكويني الإيجادي من الرب المكون الموجد، جل وعلا، فقد أوجد المسيح خصوصا وبقية البشر والشجر وسائر الكائنات عموما بكلمات كونيات نافذة تكلم بها على وجه يليق بجلاله، فعلقت بمشيئة تأويل معلومه التقديري الأول في عالم الغيب العدمي: في عالم الشهادة الوجودي فجاء التأويل مصدقا لما قد قدر أزلا، فقدر خلق آدم بلا أب أو أم، فجاءت كلمته الكونية التي خلق بها: سببا به وقع تأويل المقدور الأول بخلقه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير