تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

، فإذا كانت النبوة حاضرة، فالدولة كاملة، برسم النبوة فـ: "أيها الناس، ألا من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه. إلا وإن أحبّكم إليّ من أخذ مني حقاً إن كان له، أو حلّلني فلقيت ربي وأنا طيّب النفس"، أو الخلافة الراشدة، فـ: "القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له"، فالعدل في الأحكام هو التأويل الصريح للعلم النبوي الصحيح: علم الشهادة، فمن شهد له، جل وعلا، بالربوبية إيجادا وتدبيرا، عناية ورعاية، جلالا وجمالا، ومن شهد لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة، فهو أول مصدق لأخبارها قائم بأحكامها، فـ: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، من شهد تلك الشهادة الجليلة فصدق عمله قولَه، فإنه من أهل العدالة، فقد انتحل ديانة هي معدن العدل والقسط، بل البر والفضل، فـ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فلا يطمع فيها جائر فسيفها رادع، ولا يخشى بأسها خائف فكتابها عادل، وتاريخ الأمم، كما تقدم، على ذلك خير شاهد، فحروب المسلمين أقل الحروب خسائر، وحروب النصرانية العدو الأول للدين الخاتم بعد انقيادها لوحي يهود الكاذب تحريفا للدين وتحريضا على الموحدين، كما هي حال جماعات الضغط الأصولية صهيونية كانت أو نصرانية، بل منها ما انتسب إلى الصهيوينة صراحة، حروبها شاهد على ضد ما تزعمه لنفسها من سماحة وللإسلام من تعصب، فلم تسفك دماء كدماء الأمم التي فرضت عليها النصرانية فرضا، وتاريخ أوروبا، وتاريخ دول شرقية انتشرت فيها المسيحية الشرقية كروسيا وإثيوبيا، ذلك التاريخ المجيد!، خير شاهد على حقيقة دين السلام والمحبة بعد طروء التبديل عليه على يد المتنصر بولس، فسريان البدعة لا سيما العلمية الاعتقادية، لا سيما إن طالت أصل الدين التوحيدي فصيرته شركيا أسطوريا لا يقبله العقل إلا برسم القهر الفكري والبدني، سريان البدعة إلى الديانة مظنة الانقسام، فالبدعة لا سقف لها، فما زال الابتداع في دين النصارى إلى يوم الناس هذا، بل لا زال في الدين الخاتم، ولكنه يباين بقية الأديان في حفظ أصوله كما هي من لدن جاء بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحيا برسم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فضلا عن انتحال جمهور المسلمين مقالة الحق بداهة بمقتضى الفطرة الأولى فليس عند عموم المسلمين تصورات باطلة في أصول كتوحيد الأسماء والصفات فالتأويلات المتكلفة في هذا الباب لا تجدها إلا في كتب المتكلمين وأذهان الدارسين المتخصصين سواء أكانوا مؤيدين أم معارضين، وليس عندهم غلو مذموم في أنبياء أو أئمة أو أولياء يصل بهم إلى حد التقديس بخلع أوصاف الربوبية على البشر المخلوق، فليس عندهم إجمالا ما عند طوائف ضلت من أهل القبلة لا تمثل الإسلام الموثق إسنادا ومتنا، وليس عندهم ما عند بقية الأديان من مقالات حادثة طرأ عليها التبديل باعتراف محققيها فضلا عن مباينتها لصريح المعقول، فليس عندهم إلا دين صحيح نقله صريح عقله قد نقل إليهم على وجه تقوم به الحجة الرسالية عليهم وعلى غيرهم من سائر الملل والنحل.

والانقسام مظنة العداوة والبغضاء، فـ: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، فنسوا حظا من الدين الصحيح فانتحلوا دينا مبدلا، فوقعوا في البدعة، فظهر الانقسام فـ: (تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، ولغير ما هم عليه كارهون مبغضون، والبغض ينشأ في أوله في القلب ثم لا يلبث أن تظهر آثاره على اللسان والجوارح، استحلالا للعرض بالتكفير والتبديع والتفسيق، وللدماء بالتقتيل والتقطيع، حتى في دائرة الملة الواحدة، وتصارع المذاهب النصرانية من لدن وقع الخلاف الأعظم بين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير