تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دركها، فلا يقع بذلك التكليف، فالتكليف لا يكون إلا بمقدور، وما يقدر عليه العقل في هذا الباب هو إدراك المعنى الكلي في الذهن لا الحقيقة في الخارج.

والشاهد أن الآية قد تحتمل كلا الوجهين وقد تحمل على هذا التخريج كشاهد لنوعي الاشتراك الدلالي: اللفظي والمعنوي.

لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ: فذلك من وجوه الامتنان بهذه النعمة، فناسب ذلك تقديم ما حقه التأخير فهو مئنة من الاختصاص والتوكيد إمعانا في تقرير المنة الربانية، فلكم، واللام مئنة من الاختصاص وفيها شوب من الملكية فالبدن مملوكة لأصحابها، وإن لم يكن ملكهم مطلقا من كل وجه، كملك الرب، جل وعلا، فكل ملك سوى ملكه مقيد بحكم الكون القاهر وحكم الشرع الواجب، فلا ملك مطلقا إلا له، جل وعلا، فهو ملك الملوك الذي يقضي في ملكه بما يشاء لكمال قدرته وحكمته بينما لا يقضي ملوك الأرض إلا بما يوافق الشرع المصلح إن كانوا على الجادة أو الهوى المفسد إن حادوا عنها فحكمهم في كلا الحالين يخضع لحكم الملك، جل وعلا، الكوني النافذ، ويجب فيه على جهة التكليف امتثال أمر الوحي المنزل من التنزيل المحكم والسنة الشارحة له المتممة لآيه ببيان واف لمجملها وزيادة عليه بعض ما استقلت بتشريعه فهي قسيمة التنزيل في وصف الوحي.

فـ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ: نكر تعظيما فضلا عن دلالة التنكير على العموم، فلكم فيها خير ديني شرعي ودنيوي كوني، فيحصل الانتفاع بها في وجوه الأكل والسفر ..... إلخ فذلك وجه المنة الربانية الكونية فيها فقد سخرت بالتقدير الكوني لتكون تحت سلطان النوع الإنساني فذلك من وجوه تكريمه بتسخير سائر الخلائق له، ويحصل الانتفاع بها في وجوه القرب الشرعية من هدي تمتع أو قران أو جبران أو تطوع أو أضحية أو نذر ...... إلخ، فذلك من الخير الآجل في دار الجزاء ولا ينفك عن خير عاجل في دار الابتلاء فمنها يأكل صاحبها إلا إن كان الهدي جبرانا أو نذرا، ومنها يأكل غيره فـ: "كلوا وتصدقوا واهدوا".

فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ: فذلك من شكر النعمة الكونية باستعمالها على الوجه المشروع فلا ينتفع بالأكل من الذبائح إلا بعد التسمية باسم الرب الشارع، جل وعلا، فذلك من جنس ما تقدم من التلازم الوثيق بين حكم الربوبية الذي خلق وأوجد وسخر هذه البدن، وحكم الألوهية الذي شرع الانتفاع بها على وجه يقع به توحيد الرب، جل وعلا، بفعل الذابح، فكما ثبتت له الوحدانية الذاتية والوصفية والفعلية، فانفراده بالخلق والإيجاد والتدبير من توحيده بأفعاله، فقد ثبت له لزوما توحيده بأفعال عباده على جهة الإفراد بأحكام الألوهية الشارعة، فلا يباشر المكلف النعمة الكونية إلا برسم النعمة الشرعية، فأحكام الرسالات العلمية والعملية عند التدبر والنظر من جملة نعم الرب، جل وعلا، على عباده، بل هي أعظم نعمة أنعم بها الرب، جل وعلا، على النوع الإنساني، فلا نعمة تعدل نعمة الوحي، فهو روح القلب، فلا حياة له إلا به كما أنه لا حياة للجسد إلا بالروح المبثوث في أركانه.

فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا: فذلك كناية عن نحرها، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فالسقوط على الجنب أو سقوط الجنب فمادة وجب تدل على معنى السقوط، ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تدرون ما هذا؟ ". قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا؛ فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها"، فالوجبة مئنة من السقوط والارتطام، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ: فذلك من الأمر على جهة الندب، في حق صاحبها إلا عند من يحمل الأمر على الوجوب مطلقا من أهل الظاهر وذلك شاهد للقسمة الثلاثية: أصحابها والقانع والمعتر، وقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، شاهد للقسمة الثنائية: أصحابها والفقير، كما ذكر ذلك بعض المحققين من أهل العلم المعاصرين، والمعاني متعاضدة فلا تعارض بينها فصور الإطعام تشمل الهدية والصدقة والوليمة ....... إلخ من صور الإطعام المشروع بلا سرف أو خيلاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير