تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 11 - 2010, 04:16 ص]ـ

وأشار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله إلى وجه آخر لطيف يترقى فيه الخليل عليه السلام في الاستدلال، فإن نسبة الفعل إلى كبيرهم تحتمل: أنه غضب من مشاركتهم له في منصب الألوهية فحطمهم لينفرد بمنصب لا يقبل الشراكة، فمنصب الألوهية فرع على منصب لا يقبل الشراكة، وهو منصب الربوبية، فلا يستقيم أمر هذا الكون إلا إذا كان مدبره واحدا برسم الربوبية النافذة، فتعدد الأرباب مظنة تعدد الآلهة، فلكل رب شرع وتكليف، فيقع التضارب بينها لاختلاف ذواتها وأوصافها كمالا ونقصانا، فالشرائع إنما تصدر عن علوم، والعلوم تتفاوت، وليس علم مخلوق إلا ناقصا حادثا، فكماله مقيد بقيد النقصان الجبلي، فنقصان الوصف من نقصان المتصف به، وإن تفاوتت صور النقص في الخلق، إلا أن وصف النقص يجمعها فذلك عموم محفوظ لا مخصص له، فلا ينفك مخلوق مهما علت رتبته وارتفعت درجته الكونية أو الشرعية، لا ينفك عن نقصان جبلي فذاته حادثة برسم الضعف، فانية برسم الفساد، فـ: (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا)، فذلك من الجعل الكوني النافذ المؤكد في معرض تقرير فناء الكون بالناسخ واللام فضلا عن نسبة الوصف إلى ضمير الجمع، فتفسد الأعيان جميعا، ليظهر أثر اسمه الآخر في كونه، فهو الصمد الباقي برسم الديمومة والأزلية بعد فناء خلقه، وإن حفظت أعيان بعضهم فـ: "إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء"، فإن ذلك لا ينفي طروء وصف الموت عليهم، وهو نوع فناء فبه ينقطع العمل ويرتفع التكليف، وإن لم ينقطع الأثر والذكر، فآثار الأنبياء عليهم السلام في الأرض مبثوثة بل آثار من دونهم من العلماء ظاهرة، فذلك من العلم الذي لا ينقطع ثوابه بعد الموت، وأعظم الناس حظا في هذا الباب: الأنبياء ومن سار على طريقتهم فـ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ: فأطنب في ذكر المصلين وصدر الكلام بالمؤكد الناسخ فالمسند إليه، فذلك مما يثير مكامن الشوق في النفوس تشوفا إلى معرفة صاحب هذه الدرجة الرفيعة، فالله، عز وجل، وهو أشرف موجود على الإطلاق، وملائكته، وهي أشرف وأعظم خلقه النوراني وقد أضيف اسمها إلى ضميره فذلك عوض عن التعريف بـ: "أل" لئلا يجتمع على المعرف: معرِّفان، فذلك وجه النحو في الكلام، ووجهه في البلاغة: تعظيم الملائكة بنسبتها إلى الرب، جل وعلا، فذلك من إضافة المخلوق إلى خالقه على جهة التعظيم، فذلك من جنس إضافة الكلمة الكونية التي بها كان المسيح عليه السلام إلى ضمير الرب، جل وعلا، الذي صدرت عنه، فتفيد التعظيم، أيضا، فليست كأي كلمة كونية، وإن كان المبنى اللفظي واحدا، فمادة الكينونة في كلها واحدة فـ: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فعموم "شيئا": يعم المسيح عليه السلام وغيره، وإنما اختصت الكلمة التي خلق بها بالذكر والإضافة إلى ضمير الرب، جل وعلا، في قوله تعالى: (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ)، لما تقدم من التشريف لتلك الكلمة فبها كان الخلق المعجز للمسيح عليه السلام من أم بلا أب، وإن باينت إضافة الملائكة إلى ضميره إضافة الكلمة إليه، فالأولى من قبيل: إضافة المخلوق إلى خالقه، والثاني من قبيل: إضافة الوصف إلى المتصف به، فاشتركا من جهة معنى التعظيم واختلفا من جهة النسبة فليست نسبة الخلق كنسبة الوصف.

والشاهد أن الإطناب قد وقع في السياق تدرجا من الأعلى إلى الأدنى، فالله: أعظم موجود، وملائكته: أعظم خلقه صورة وهيئة، وأهل السماوات والأرض، والإضافة إلى المعرف بـ: "أل" مئنة من العموم، كما قرر ذلك أهل الأصول، وهو عموم محفوظ من جهة التكوين، فذلك من جنس التسبيح الاضطراري لعموم الكائنات فـ: (إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، فتقاس عليه الصلاة فهي صلاة اضطرارية بمقتضى التقدير الكوني فتصلي الكائنات ولو عجماوات، وهو من جهة التشريع: مخصوص فكثير من البشر المكلفين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير