تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالصلاة الاختيارية لا يمتثلون الأمر الشرعي بالصلاة سواء أكانت الصلاة الاصطلاحية أم الصلاة اللغوية كما في هذا السياق لقرائنه المحتفة، فلا يتصور الفعل التكليفي المعهود من ركوع وسجود من الرب، جل وعلا، ومن الملائكة، ومن أهل السماوات والأرض، لا يتصور ذلك، فوجب حمل الصلاة في هذا السياق على الصلاة اللغوية التي تدل بمادتها المعجمية المطلقة على الدعاء، بل لا يتصور ذلك، عند التدبر، ممن يجوز في حقهم ويصح من فعلهم: الصلاة المعهودة، فلم يشرع في حقهم الصلاة على غيرهم بالركوع والسجود، بل صلاة الجنازة: الصلاة المشروعة على البشر لا ركوع فيها ولا سجود، فتكاد تتمحض لمعنى الصلاة اللغوية، فهي في جملتها دعاء بالثناء والطلب، فيجري ذلك مجرى الصلاة على المتصدق في قوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)، بل إن دلالة المضارع في "يصلون": وهي مئنة من التجدد تمنع إرادة الصلاة، ولو جنازة، فلا تصلى على الميت إلا مرة واحدة.

والشاهد أن العموم إما من جهة التكوين أو من جهة التشريع فيكون خبرا في حق الجميع، وتضاف إليه دلالة إنشائية في حق الخلق المكلفين، فكأن المعنى في حقهم: صلوا على معلم الناس الخير فذلك حقه عليكم، وذلك مما لا يقع من كثير من المكلفين، بل ليت معلم الخير سلم من أذاهم، فكثيرا ما يتلقونه بألسنة حداد، فليس ثم إلا السخرية والاستهزاء!، ولا عجب في ذلك، فلم يقع الأصل من كثير منهم فـ: (مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، فإذا امتنع الأصل: امتنع الفرع بداهة، فمن فرط في الأعلى فرط في الأدنى من باب أولى.

وجاءت "حتى" لتزيد المعنى تقريرا فنصت على أعيان من الحيوان منه البري في جحره، والبحري، فيجري ذلك مجرى التمثيل للعام بذكر أفراد منه فلا يخصصه فجملة الكائنات تصلي على صاحب هذه الدرجة، وجاءت الصلاة على حد المضارعة مئنة من التجدد والحدوث، كما تقدم، فتحدث آحادها بتجدد حدوث الوصف الجالب لها فبتكرار حدوث التعليم: يكون تكرار الصلاة ثناء على المعلم، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وجاء التوكيد باللام إمعانا في تقرير المعنى، فاجتمع في السياق جملة من المؤكدات أثارت في نفس المخاطب شوقا عظيما إلى معرفة من له تلك الدرجة العظيمة من الثناء، فجاء المسند بعد ذلك فكان أوقع في النفس فهو: "مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ": فالإضافة مئنة من عموم الانتفاع به فلا يخص به قوما دون آخرين، فـ: "من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"، فلا يحجبه عمن يستحقه فيحسن الانتفاع به فليس من الكياسة بذل الحكمة لمن لا يستحقها، فقد يحسن الكتمان في حق ضعيف العقل أو فاسد الإرادة الذي يديم النظر في الشرعيات تتبعا للشبهات برسم المعارضة للمحكمات، وجاء تعريف "الخير" بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية لعموم ما دخلت عليه مئنة من استغراق علوم النبوات الدينية لأجناس الخير العلمي والعملي فالنبوة قد استغرقت من علوم الباطن تصورا ومن علوم الظاهر حكما ما ظهر به فضلها على فضل سائر المقالات المبدلة أو الحادثة، فجاءت النبوات بالتوحيد مادة صلاح النفوس بل والكون جميعه، حيه وميته، ساكنه ومتحركه، فلا يصلح شأن الخلق كونا أو شرعا إلا بشروق شمس النبوات على الأرض، ففيها مادة التوحيد علما وعملا، تصورا وإرادة وحكما، وهي ما اجتهد أعداء الرسالات في طمسه ففسدت النفوس ووقع العذاب الكوني العام، برسم: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)، ففساد النفوس أثر بالشؤم في الأرض، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فعمت العقوبة المكلف المختار، والمسير المضطر من سائر الكائنات، فهي تستغيث إلى الرب، جل وعلا، من شؤم الكفر ومقالاته التي تنقض التوحيد نقضا، مع أن بعض أربابها يدعي التوحيد زورا!، فيجوز لحوق وصف النقص بالذات القدسية ويجوز طروء النقص المطلق على الصفات العلية فيجعل الرب، جل وعلا، من جنس خلقه في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير