تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

باب الذات والصفات بل والأفعال والأحكام فيسوي شرع غيره بشرعه، وهو مع ذلك القياس الجائر للرب الكامل، جل وعلا، على خلقه الناقص، يدعي التوحيد والعدل وقد وقع في أعظم صور الشرك والظلم بتجويز الشراكة بين الرب جل وعلا وخلقه في حقائق أوصاف الكمال فيجعل علم الخالق، جل وعلا، من جنس علم المخلوق، أو الجفاء في حق الرب، جل وعلا، بنسبة أوصاف النقص البشري الجبلي إليه فيجري عليه ما يجري عليهم من النصب واللغوب، كما افترت يهود، ويولد كما يولد البشر ويأكل ويشرب ويحدث وينام ويمرض ويموت بل ويقتل صلبا على يد أخبث الخلق وأذل الأمم!، كما ادعت النصارى، أو الغلو في حق المخلوق فتنسب إليه أوصاف لا تكون إلا للرب المعبود، جل وعلا، من خلق وتدبير، فلا يملك غيره، تبارك وتعالى، استقلالا بالتاثير في الكون بإيجاد أو إعدام أو تدبير عام أو خاص، فليس ذلك إلا للرب، جل وعلا، فهو لازم بل جوهر منصب الربوبية التي أراد الخليل عليه السلام نفيها عن آلهتهم التي لا تملك ضرا ولا نفعا بل لا تملك دفع الضر عن نفسها، فكيف بمن عبدها، وتلك حال كل من يعبد غير الله، عز وجل، رغبا ورهبا، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، و: (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)، فهم عن دعائهم غافلون فقد زال التكليف فصار القوم أهل دار لا تجري عليها أحكام هذه الدار، فطلب المعونة الكونية أو الشرعية منهم مع انقطاع نسبتهم إلى هذه الدار، سفه عظيم في العقل قبل أن يكون شركا ينقض أصل التوحيد في الشرع، فصاحبه من أفسد الناس طريقة في النقل، فالنقل قد جاء بضد ما هو عليه من الشرك مادة فساد الأديان وهلاك الأبدان، والعقل قد حكم بداهة ببطلان دعاء المعدوم الذي لا يملك نفعا أو ضرا، فذلك مما اختص به الرب، جل وعلا، فهو من أخص أوصاف الربوبية، فلا يملك إيصال الضر والنفع إلى الخلق على جهة الاستقلال بالتأثير إلا الرب الجليل، تبارك وتعالى، فقدرته على ذلك من آثار صفات جلاله القاهر، فإن شاء أوصل النفع إلى عباده فضلا فيوصل إليهم من صور النفع الكوني العام والشرعي الخاص ما يصلح به حالهم العاجل، فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، وفي المقابل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، ومآلهم الآجل فـ: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)، فيوصل إليهم من الرزق المحسوس ما تصلح به أبدانهم، ويوصل إليهم من الرزق المعقول ما تصلح به أديانهم، فيعم بالحجة عباده فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فذلك وجه عموم في الرزق الديني وإن اختص بقبولها برسم الهداية الإلهامية التوفيقية من سبقت له الحسنى في دار الجزاء السرمدية، وإن شاء أوصل إليهم الضر عدلا، في أبدانهم بالتضييق في الأرزاق لتظهر آثار ربوبية في تضاد الأحوال: سعة وضيقا، أو عقوبة كونية على مخالفة الطريقة الشرعية، فـ: "ما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، فغيره قد يوصل النفع أو الضر برسم السببية، فالملائكة بأمره، جل وعلا، يعملون، فتظهر آثار ما أودع فيهم من قوى التأثير بإذن الرب الجليل، تبارك وتعالى، فلا يستقلون بنفع أو ضر، فـ: (مَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)، فلا يصدورن في أفعالهم إلا عن أمر كوني نافذ لا يصدر إلا من الرب الخالق البارئ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير