تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)، فلا يحكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بما أنزله عليه الرب، جل وعلا، من الوحي وآراه له من سنة قول أو فعل أو تقرير، فالوحي لا يقره على خلاف الأولى، فـ: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، بل لو فرض عقلا عدول الرسل عن أمر مرسلهم، جل وعلا، فذلك من المحال العقلي، لو فرض ذلك فـ: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، فلا يكتم الرسول من خبر مرسله شيئا ولو كان عتابا له، فـ: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)، و: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)، فلو كان كاتما شيئا لكتم ذلك، ولو كتم ذلك، لارتفع عنه وصف العصمة فعزل بداهة عن منصب النبوة، فهي معدن الصدق والعصمة فقد أقام الرب، جل وعلا، على صحة دعوى النبي الصادق من أدلة النقل والعقل ما امتاز به بداهة عن المتنبئ الكذاب، فإذا عزل الأنبياء عن منصب التشريع إلا بلاغا، ولو بإنشاء الأحكام، فلا يكون ذلك برسم الاستقلال، بل ذلك من جملة الوحي النازل، إذا عزل الأنبياء، عليهم السلام، مع كمال عقولهم ووفور علومهم وصحة إراداتهم وفصاحة كلماتهم، إذا عزلوا عن ذلك المنصب فليس لهم إلا البلاغ برسم النذارة والبشارة، وليس لهم من أمر القلوب شيء، فـ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فعليهم البلاغ بيانا وإرشادا وليس لهم الهداية توفيقا وإلهاما، إذا عزلوا عنه فعزل من دونهم من أصحاب العقول واجب من باب أولى، فليس لهم من أوصاف الربوبية ذاتا أو أسماء أو صفات أو أفعالا أو أحكاما شيء، ولو كانوا مؤمنين صالحين، بل أئمة في الدين، فكيف إذا كانوا كفارا أصليين كالعلمانيين الذين وضعوا دساتير الغرب بعد قضاء الثورة الفرنسية على سلطان الكاثوليكية الديكتاتورية التي بغضت الدين إلى البشر بعوار فكرها واعوجاج مسالكها العقلية والحكمية فنقضت المعقول وحادت عن جادة العدل المشروع فصارت قرينة العرش في الظلم والاستبداد ومقارفة أبشع صور الطغيان الروحي والسياسي والمالي فأثرت وأفقرت البشر برسم الصبر والاحتساب وتسلية الناس عما يقع عليهم من المظالم وتلهية أصحاب الحقوق عن المطالبة بحقوقهم فلن يدخل الملكوت إلا الفقراء وأرباب الكنيسة في كل عصر ومصر: أغنى الأغنياء فلهم الآن أرصدة سرية في بنوك عالمية وهم مع ذلك رموز الورع والزهد والعفة!، وفضائحهم قد طفح بها الكيل فاستفزت أصحاب العقول الصريحة والإرادات الحرة ممن يأبون الظلم فهو مما أجمعت العقول على قبحه، فكيف إن مارسه الظالم باسم الدين فقبحه أعظم وجرمه أبشع بتبغيض الدين إلى البشر فقد صار عندهم مظنة الظلم والاستبداد، والجشع والانحلال فتلك حال أرباب الكهنوت النصراني مع ما يتظاهرون به من عفة ووقار، وتلك حال أشار إليها ابن حزم، رحمه الله، في زمانه، ولا زالت آثارها في زماننا بل قد ظهر من الفضائح التي يستحى من ذكرها ما لم يظهر أيام ابن حزم، رحمه الله، لا سيما في كنائس الكاثوليك المهجورة بعد قضاء العلمانية كما تقدم على نفوذها السياسي والمالي فلم يبق لها إلا الطغيان الروحي وهو من القواسم المشتركة بين كل الكنائس شرقية كانت أو غربية، فكانت تلك الذريعة إلى معارضة أحكام الوحي الصحيحة بأحكام الأهواء والأذواق الفاسدة، فلم يميز أولئك لضعف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير