تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عقولهم وقلة علومهم وفساد إراداتهم، لم يميزوا بين دين الرسل عليهم السلام، ودين أولئك الطواغيت المترأسين باسم الديانة، ولم يكن عندهم من الإنصاف الذي يزعمون التحلي به وهم أبعد الناس عنه، لم يكن عندهم منه ما يحملهم على النظر في مقررات دين التوحيد الخاتم برسم الحفظ، فلعل فيه ما ليس في دين التثليث الحادث برسم التبديل، فالتسوية بينهما مع اختلاف الوصف: نقض صريح لقياس العقل بالتسوية بين أعظم متباينين، فلا يستوي دين الأنبياء ودين الكهان!.

ومن ثم نقل العلمانيون في الشرق تلك الثورة التي نجحت في القضاء على الدين المحرف فأخرجت الناس إلى فضاء الإلحاد، بلسان الحال بل بلسان المقال في كثير من الأحيان، فما ازدادوا بإعراضهم عن النبوة الصحيحة إلا ضلالا وإن تحقق لهم نوع تحرر شيدوا به مدنية تفتقر إلى أصول الحضارة من دين وأخلاق فلا تتلقى تلك المقومات إلا من مشكاة النبوات، فنقل العلمانيون في الشرق تلك التجربة، لعلهم ينجحون، أيضا، في القضاء على الدين المحفوظ!، وشتان!، فإن كانوا قد نجحوا في عزل النبوة عن الزعانمة حينا بعد سقوط خلافة آل عثمان، فإنهم لم ينجحوا في تحريفها، وإن صدوا الناس عنها حينا بتصويرها رجعية إلى القرون الوسطى، فلم يدم لهم ذلك فـ: (يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، فمع اشتداد وطأتهم لا سيما في الآونة الأخيرة إلا أن التدين، عموما في ازدياد، وإن شابه من وجوه القصور ما شابه لغياب أهل العلم المحققين، ومن قبلهم: أهل التربية الشرعية التي يفتقدها كثير من المنتسبين إلى الديانة بالتزام ظاهر لا رسوخ له في الباطن فهو التزام أجوف كما يسميه بعض الفضلاء المعاصرين، فكيف بمن دونهم؟!.

فإذا انتفى منصب الربوبية عن كل أولئك، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)، فكيف بالآلهة التي أتى عليها الخليل عليه السلام، فبطلان ربوبيتها ثابت من باب أولى.

فخير النبوات كما تقدم: خير علمي يصلح به الأصل الباطن، وخير عملي يصلح به الفرع الظاهر فالنبوة قد استغرق صلاحها الظاهر والباطن، الفرد والجماعة، العقيدة والشعيرة والسياسة والأخلاق، فـ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

ومن يعلم الناس الخير أمة بنص مقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن معاذا كان أمة قانتا قال فأعادوا عليه فأعاد ثم قال: أتدرون ما الأمة؟ الذي يعلم الناس الخير والقانت الذي يطيع الله ورسوله، فهو أمة بجمعه لأصول الخير وتعدي نفعه إلى عموم المكلفين برسم الإنذار العام والبشرى الخاصة لمن أجاب داعي الحق، فإذا أجاب في الأصل حصلت له النجاة من الكفر، وإن أجاب في الفرع حصلت له النجاة من الوعيد، فاكتمل إيمانه الواجب بل قد يترقى في الفضائل فيصير ممن أتى بمكملات الإيمان المستحب، فقد أتى بمقتضى الترتيب العقلي بداهة، بمكملات الإيمان الواجب الذي أخرجه من دائرة الوعيد، فيتفاوت الناس في هذا الشأن فمنهم من معه الأصل: قولا للقلب وعملا له لا يتصور إيمان بدونه وقول لسان وعمل ظاهر ولو بأجناس الشعائر وإن وقع التقصير في آحادها، ومنهم من معه الأصل والكمال الواجب فقد أتى قدر الاستطاعة بأجناس الواجب الباطن والظاهر، ومنهم من زاد فأتى بأجناس المستحب، ولكل حظه بقدر التوفيق الإلهي إلى الحق: علما وعملا.

فمعلم الناس بغض النظر عن عينه: أمة يصلي عليه الله وملائكته وعموم الخلق، والخليل عليه السلام بقوله وفعله، وجداله العقلي المحكم مع قومه واستدارجه لهم لينطقوا بأنفسهم بالحجة الداحضة لطريقتهم الدينية الحادثة، قد صار معلما بل إماما للموحدين، فـ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 11 - 2010, 03:54 ص]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير