تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 11 - 2010, 03:44 ص]ـ

فجاء رد الخليل عليه السلام:

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ: فتلك إشارة لطيفة باستفهام إنكاري توبيخي لما وقع منهم من عبادة غير الله، عز وجل، بصرف أجناس التأله الباطن والظاهر له، فلا ينفك من صرف بباطنه عن الرب، جل وعلا، عن ميل بظاهره إلى غيره، فمن تعلق بمحبوب سوى الله، عز وجل، ظهرت عليه أمارات العذاب بذل باد على محياه لمن أحبه فابتغى الروح في حبه فلم ينله إلا الضيق والكرب والمعيشة الضنك، وتلك عادة الرب، جل وعلا، في كل من أعرض عن ذكره فابتغى العزة في ذكر غيره فلا يناله إلا ذلة في الحياة الدنيا، فحاله: حال من اتخذ العجل، فـ: (اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ)، ظلما أكبر بمقارفة أفحش صوره بالتسوية بين المخلوق الحادث والرب الأول الخالق وذلك ناقض لخبر الشرع وقياس العقل الذي أثبت ضد ما نفوه من وجوب الإفراد بالعبودية الخاصة والعامة فرعا على حصول الانفراد بالخلق والتدبير فالكون بصنعه البديع ونظامه المحكم شاهد عدل لا يكذب على قوة عليا قاهرة فذلك وصف الجلال، حكيمة عادلة، فذلك وصف الجمال، فلا ظلم أعظم من ذلك بالتسوية بين أعظم متباينين، فما اتخذوه برسم الظلم إلا بعد أن وقعوا في أفسد صور القياس، فسووا بين الناقص والكامل باعتقاد النفع والضر في آلهة لا تملك ذلك لنفسها فضلا عن غيرها، فاستعمل الخليل عليه السلام أصول الاستدلال العقلي بنقض قياسهم ببيان القدر الفارق بين الأصل والفرع، فالأصل الذي يثبت له كمال الوصف الذاتي والفعلي يباين الفرع الذي يثبت له ضده من وصف النقص الجبلي، فكيف يسوى بين الذاتين في الحكم مع ما بينهما من التباين في الوصف فعلة استحقاق الرب، جل وعلا، كمال الإفراد بأحكام الألوهية، وهي الوصف الظاهر المنضبط الذي يتعلق به الحكم وجودا وعدما، قد ثبتت في حق الرب، جل وعلا، فله، كما تقدم، كمال الذات والوصف، فيثبت الحكم بوجوب إفراده بالألوهية وجودا، وانتفت في حق آلهتهم فينتفي الحكم في حقهم عدما، فسار الخليل عليه السلام على أصول الاستدلال العقلي الصحيح، فقياسه مطرد منعكس، وسار خصومه على غير جادة الشرع والعقل، فقياسهم مضطرب، فـ: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ): فقدم النفع لتعلق النفوس به طلبا، فدعاء الناس في زمن العافية يغلب عليه طلب الخير، فحالهم آنذاك حال رغدة، فنفي الانتفاع في حقهم آكد، فقدم من هذا الوجه، بخلاف حالهم في الشدة فيغلب عليه بداهة استدفاع الشر، فـ: (إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا)، وفي مقام البراءة من الحول والقوة يحسن أيضا تقديم نفي الملكية لأسباب الضر دفعا في الذكر، فـ: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، فلا يملك لنفسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع كمال رتبته ورفعة درجته لا يملك لنفسه أي ضر أو نفع على جهة العموم القياسي بتسلط النفي على النكرات وتكرار أداته "لا" فذلك من الإطناب في معرض التوكيد واستثنى في معرض بيان عموم المشيئة الربانية العامة فالرب وحده، جل وعلا، هو الذي يملك الضر والنفع على جهة الاستقلال بتسيير الأسباب فلا تستقل، مع ما أودع فيها من قوى الضر أو النفع، لا تستقل بالتأثير فلا يحصل أثرها في الكون إلا بمشيئة الرب الخالق لها بكلماته الكونية الخالقة فهي أثر صفة القدرة، المجري لها بكلماته الكونية المدبرة فهي أثر صفة الحكمة، فاجتمع في شأنها خلقا وتدبيرا آثار صفات الجلال والجمال فبهما يثبت الكمال اللائق به تبارك وتعالى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير