تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيختلف تعلق النفس بمراداتها باختلاف أحوالها فدعاء الشدة يباين دعاء الرخاء، فللنفس في كل مطلوب يلائمها، فتتطلع إلى المحبوب رجاء نيله، وتتطلع إلى المكروه رجاء دفعه، فحصل بالطباق بين النفع والضر: استيفاء لشطري القسمة العقلية، فـ: (لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ)، فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل الذي جاء على حد المضارعة مئنة من التجدد والحدوث فذلك وصفهم المطرد عجزا عن إيصال النفع أو الضر والإفراد في الضمير في: "يَنْفَعُكُمْ" و: "يَضُرُّكُمْ" بالنظر إلى لفظ "ما" فهو مفرد في اللفظ عام في المعنى فهو من صيغ العموم القياسية وحسن إيراده في معرض بيان وصف تلك الآلهة فـ: "ما" مما يستعمل في بيان الوصف بغض النظر عن العين التي يقوم بها، فالوصف معنى وهو من غير العاقل بداهة و: "ما" مما يستعمل لغير العاقل فتلك دلالتها المعجمية المطلقة وإن خرجت عنها إلى الدلالة على العاقل في مواضع ذكرها النحاة وأشار إلى نكتها البلاغيون، فذلك من جنس قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) فالمراد في الآية: صفة النساء المستطابة لا أعيانهن فحسنت الإشارة إلى الصفة بـ: "ما"، وقوله تعالى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فلم يرد السؤال عن الاسم الدال على الذات المعبودة فقد تطلق على أي إله، ولو باطلا، وإنما أراد النص على إله بعينه هو الإله المعبود بحق إله آبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السلام: الإله الواحد الذي ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته، فلا شريك له فرعا على ذلك في ألوهيته وأحكام عبوديته برسم الخضوع الكامل.

فذلك وصفهم المطرد عجزا: في مقابل وصف الرب، جل وعلا، الذي يدبر الأمر الكوني برحمة وحكمة ورحمة، فيوقع من صور النفع والضر ما يصلح به أمر هذا العالم، فتعلق الفعل بمشيئته النافذة يقتضي وجوب وقوعه فلا مبدل لكلماته الكونيات النافذة، فنفاذ الكلمات من نفاذ المشيئة، وتعلقه بها يقتضي تجدد وقوعه فلا ينفك العالم عن أحداث كونية متتالية لا تنقطع فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فأحداث الكون التي تتجدد باستمرار هي تأويل كلماته المتتالية، وذلك من أظهر صور الإيجاد للأعيان فلا ينفك العالم عن أعيان توجد وأخرى تعدم، فالإيجاد والإعدام مئنة من كمال قدرته، جل وعلا، على الشيء وضده وذلك وصف الربوبية الكاملة فلا يملك أحد إيجادا ولا إعداما برسم العموم إلا الرب القدير الحكيم جل وعلا، فخلق البشر بتقدير الأشياء وصناعتها لا ينفك عن وجوه من النقص تدل على نقص في القدرة والحكمة، فلا ينفك فعل من أفعاله، جل وعلا، الحادثة باعتبار أفرادها عن تعلق بالمشيئة الربانية فإذا شاء وقع الفعل برسم النفاذ، وإذا لم يشأ امتنع فلا يوجب أحد على الرب، جل وعلا، شيئا، فقد أهلك الأمم ولم يخف العقبى، وحجز الشفاعة عمن لم يرتض، فـ: (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، فإذا شاء ظهر أثر صفاته الفاعلة برسم الديمومة فلم يكن معطلا عن كمال الفعل بل هو: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) ففعال فتلك صيغة مبالغة تعمل عمل مضارعها وإن كانت أضعف منه في الدلالة ولكنها لا تنفك عن معنى التجدد والاستمرار فذلك آكد في تقرير المعنى فالرب جل وعلا كما تقد مرار لم يكن معطلا عن وصفه الذاتي أو الفعلي بل له ديمومة الكمال المطلق أزلا وأبدا فـ: "فعال" لـ: "لما": فذلك من التعدي بواسطة لضعف النائب فليس للفرع حكم الأصل فالمضارع عمدة الباب وما يتفرع عليه من أسماء تبع فتعمل عملا أضعف منه بقرينة اشتراط شروط لعملها بخلاف الفعل الذي يعمل مطلقا وذلك خلاف الأصل فذلك وجه ضعفها و: "ما" مئنة من العموم ففعال لكل ما يريده فجاء فعل الإرادة أيضا على حد المضارعة استحضارا للصورة تقريرا للمعنى فضلا عن دلالته على تجدد الوصف للرب جل وعلا فإراداته الكونية تتوالى برسم النفاذ فذلك أثر كلماته التكوينيات في خلقه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير