تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الْعَالَمِينَ)، فآثار سنة التدافع ينتفع بها المؤمن والكافر، فصلاح العالم صلاح لحال من يعيش فيه ولو كان كافرا لا ينتفع إلا بموارده الكونية من كلمات القدر النافذ فـ: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ)، فلم يخصه بالمؤمنين بل عم بدلالة الضمير فضلا عن ظهور أثر المنة في لام الملكية ولو كانت صورية فالعباد يملكون برسم التقييد بحكم الشريعة فليس لهم ملك مطلق كملك الرب الخالق المدبر، جل وعلا، بل قد جاء النص على انتفاعه بموارد الكون فذلك مما يشترك فيه المؤمن والكافر بل السنة في مباشرة أسبابه واحدة، فمن جد في تحصيلها وجد آثارها النافعة، فـ: (مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، فله نصيبه من المتاع القليل من دنيا مرتحلة فـ: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ)، فالكافر ينتفع بموارد الكون فيجري عليه ما يجري على المؤمن من سنن الإيجاد والإعداد لقوى بدنه والإمداد بأسباب صلاحه الظاهر بل قد يكون له من ذلك ما ليس للمؤمن فذلك من توفية الحساب في دار الابتلاء، فـ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، وهو مع ذلك محجوب عن موارده الشرعية من كلمات الوحي النازل، ففضل عام على الكفار، وفضل خاص على المؤمنين، فـ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، ولا ينفك قدر الرب، جل وعلا، أيضا، عن عدل، فبه قامت السماوات والأرض، فالله هو الحكم العدل، فـ: (نَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)، فاتصف به في نفسه على جهة اللزوم، وظهرت آثاره الكونية والشرعية في خلقه، فالأبدان لا تصح إلا بالسير على سنن العدل في إيجادها ونموها فلو خرجت خلية عن حد الاعتدال بزيادة أو نقصان لولد ذلك صورا من الفساد عظيمة، فلا يصح البدن في نشاطه إلا بمعدل ثابت من الهدم والبناء، في هضم وتمثيل الغذاء، ولا يصح البدن في نموه إلا بمعدل ثابت من الانقسام لخلاياه فإن زاد حصل الفساد بالورم، وإن نقص حصل الفساد بالهرم، فـ: "فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد قالوا: وما هو يا رسول الله؟، قال: الهرم"، والأديان لا تصح إلا برسم العدل الذي قررته الشرائع، فاتصف، جل وعلا، بالعدل، فظهرت آثار وصفه في الكون والشرع، فأثره النافع قد ظهر في سلامة الأبدان من العلل وسلامة الأديان من البدع، فيسر أسباب صلاح البدن، فـ: (لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)، ففيها أسباب المعاش التي تحيى بها الأبدان، ويسر أسباب صلاح الدين، فـ: (لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، ففي التنزيل أسباب حياة القلوب من أخبار برسم الصدق وأحكام برسم العدل قد تكفل الرب، جل وعلا، بحفظها، فتلك من أظهر صور العناية العامة بالنوع الإنساني، إذ حفظ له زاده الوجداني فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، كما يسر له أسباب غذائه البدني، والأول أشرف بداهة فالتنويه به في معرض تقرير دليل العناية أولى، وإن كان الثاني، أيضا، من أظهر صور العناية الربانية بالخلق، فدليل العناية يعم كليهما، فآثار رحمة ربك في الكون عامة قد شملت بنفعها الملكف كله: روحه اللطيف وبدنه الكثيف، فأنى يصح في الأذهان صرف عبادة لغيره، وأنى يصح في الأذهان غلو في خلق من خلقه بخلع ما لا يكون إلا له من وصف الربوبية الفاعلة في الكون بالخلق والتدبير؟!، وأنى يصح في الأذهان جفاء في حقه بتجويز طروء وصف النقص عليه بحلول أو اتحاد بمخلوق، أو تجسد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير