تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في ناسوت، أو إعياء ولغوب ..... إلخ مما وصفه به الظالمون الذين: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، فقد فسد تصورهم بفساد المداد فلم يعد من مشكاة النبوات المحفوظة، بل قد صار من نبوة مبدلة فوقع الفساد في الدليل، أو قياس باطل فوقع الفساد في الاستدلال، فلا ينفك زيع في الإلهيات خصوصا والشرعيات عموما عن فساد في الدليل فذلك من الخلاف في التنزيل، أو فساد في الاستدلال فذلك من الخلاف في التأويل. فتحريف الوحي يكون بتحريف ألفاظه بكتمان أو زيادة فصاحبه من أهل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، أو تغيير لرسم ولو بحركة، أو تحريف معانيه بتأويله واتباع متشابهه فتحمل دلالاته الظاهرة على وجوه بعيدة متكلفة لا يشهد لها نقل أو عقل أو فطرة، بل ربما كانت محالة عقلا فلا يأتي بها وحي منزل، فهي مما يصادم العقل والفطرة معا، والوحي الصحيح لا يأتي إلا بما يوافق العقل الصريح، فالمصدر واحد، إنشاء لكلمات الوحي وإيجادا للعقول فهي آلات الفهم.

والشاهد أن الكلمات الشرعية قد يقع بها من صنوف المشقة العارضة شيء يسير في مقابل الأجر الجزيل، فتكون الحكمة في احتمال المفسدة العارضة، لو صح من باب التجوز إطلاق وصف المفسدة على المشقة التي تلحق المكلف حال أدائه ما كلف به من أحكام الشريعة، فتكون الحكمة في احتمالها ابتغاء تحصيل المنفعة العظيمة في دار الابتلاء بصلاح حال العالم فلا صلاح له إلا بأحكام النبوات فهي مادة صلاحه الشرعي والكوني معا، فما ظهر الفساد في البر والبحر إلا بما كسبت أيدي الناس من مخالفة لأمر الوحي، وذلك ذريعة إلى الفتنة والعذاب الأليم، فـ: (لْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، والمنفعة الأعظم في دار الجزاء، فـ: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ).

وكذلك الشأن في الكلمات الكونية فقد تقع المصيبة فيكون فيها من المفسدة العارضة ما يذهب العقل ويحجب نور الوحي فيذهل الإنسان عن وجوه النفع الآجل فيها وإن كان فيها من الفساد العاجل ما قد يعظم أثره في النفوس لضعفها وقصور مداركها عن معرفة حقائق القدر الكوني، فهو من أسرار الربوبية، وإنما يثبت الرب، جل وعلا، من يثبت حال الشدائد بما يجريه عليه من أسباب الصبر والاحتساب بمطالعة ثواب المصيبة الآجل، فـ: (لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، وليس ذلك إلا لمن اصطفاه الرب، جل وعلا، فلم يذهل حال المصيبة بل قد ثبت الله، جل وعلا، جنانه، فعمر لسانه بالذكر وأركانه بالطاعة فكانت خير عون له على احتمال ما يقع عليه من ألم المصيبة العاجل، وتلك معان يسهل جريانها على اللسان في أزمنة العافية فلا يظهر تأويلها إلا في أزمنة الابتلاء فبها يميز الله، جل وعلا، الخبيث من الطيب، فيفتضح من بكى ممن تباكى.

فأنكر الخليل عليه السلام، فـ: (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ):

فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل مئنة من العموم، كما تقدم، فضلا عن ورود النكرة في حيزه، فذلك عموم ثان يقوي عموم النفي المعنوي للمصدر، فلا يملكون أي صورة من صور النفع بأي شيء، وأطنب الخليل عليه السلام بتكرار أداة النفي، فموضع الإنكار مما يحسن فيه الإطناب في التوبيخ، وحصل بالطباق على جهة المضارعة، كما تقدم، استيفاء لشطري القسمة العقلية فالمنطوق قد نفاهما عن غير الرب، جل وعلا، والمفهوم قد أثبتهما له، فآلهتهم الباطلة لا تملك نفعا ولا ضرا، وإلهه المعبود بحق هو الذي ينفع ويضر بقضائه النافذ، والمضارعة، كما تقدم، مئنة من ديمومة انتفاء الوصف في حقهم فذلك إمعان في بيان عجزهم ويقابله أيضا بدليل الخطاب: ديمومة اتصاف الرب، جل وعلا، بهما، على جهة الكمال، فله، جل وعلا، كمال وأولية وآخرية وديمومة وصف الذات، وله مثل ذلك من وصف الفعل، والنفع والضر من فعله الذي يتعلق بمشيئته النافذة، فـ: (إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

فلا يملك بشر أو شجر أو حجر ضرا ولا نفعا فضلا عن أموات لا يسمعون إلا ما شاء الرب جل وعلا فقد انقطع تكليفهم الشرعي وليس لهم تأثير كوني كما يزعم الغلاة فيهم فذلك مما سرى من دين المثلثة عباد الصليب إلى فئام من غلاة الإسلاميين من أصحاب البدع المغلظة أو الطرق المحدثة.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير