تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 04:15 ص]ـ

ثم أطنب الخليل عليه السلام في الإنكار عليهم:

أفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ: فذلك من تضجر الخليل عليه السلام من ذلك الفعل الباطل والمنطق الفاسد فلا حجة من نقل أو عقل وإنما محض انتصار لطريقة باطلة برسم التقليد الأعمى، فليس لهم من حجة إلا: (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)، فوجدوهم على طريقة نكرت مئنة من التحقير بالنظر إلى حقيقتها، ومئنة من التعظيم بالنظر إلى ما يعتقدونه، ولو باطلا محضا، والأمة مئنة من معان كثيرة تدل عليها برسم الاشتراك اللفظي، فهي تطلق على:

الجماعة الكثيرة، وتطلق على معلم الناس الخير فهو أمة بما اجتمع له من خصال الخير فكأنه أمة وزعت فيها تلك الخلائق الفاضلة والطرائق الكاملة، فـ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، فكان أمة بما جبل عليه من الفضائل وما أوحي إليه من الملل والشرائع، وهذان المعنيان يؤولان، عند التحقيق، إلى معنى الكثرة، فقد يقال باشتراكهما في الأصل الكلي المطلق في الذهن، برسم الاشتراك المعنوي، وإن ظهر، بادي الرأي، أن لا علاقة معنوية تجمع بينهما، فالأمة متعددة، والواحد منفرد بنفسه، ومع ذلك ظهر وجه الاشتراك بالنظر إلى معنى الكثرة فهو في الجماعة: محسوس، فكثرتهم ثابتة في الخارج يدركها الناظر بمدارك حسه الظاهر، وفي الواحد: معقول فنزلت أخلاقه الكاملة التي كثرت حتى صح على سبيل التجوز في المدح جعلها أفرادا وإن لم يكن لها وجود في الخارج فهي ثابتة في الذهن فقط فالأخلاق لا تتمثل شخوصا في الخارج، وإنما تثبت برسم الإطلاق والتجريد في الذهن، وذلك مما فسر به وجه الجمع في آيات من قبيل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، و: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)، فالجمع بالنظر إلى تعدد أوصاف كمال الرب، جل وعلا، وإن كانت معان قائمة بذاته القدسية على الوجه اللائق بجلاله، تبارك وتعالى، فليس لها استقلال بنفسها في الخارج وإنما الذهن هو الذي يجردها فيتصورها في مقابل الذات التي تتصف بها، فتثبت في الذهن برسم الإطلاق ولا تثبت في الخارج إلا برسم التقييد بالذات القدسية التي تقوم بها على الوجه اللائق بجلاله، تبارك وتعالى، كما تقدم، فالمعنى لا يستقل بنفسه ولا ينفصل عن الذات التي يتصف بها فلا تتصور مفارقة وصف للموصوف به، فالكلام، وإن نطق به المتكلم، وانقضى زمن التكلم، فهو كلامه، فتثبت نسبته إلى أول قائل، وإن بلغه غيره، فنسبته إلى المبلغ نسبة تبليغ لا إنشاء، فتعدد الأوصاف هو الذي سوغ هذا الجمع، وهو، كما تقدم، ينزل منزلة المبالغة في المدح، فلا يلزم منه تعدد الشخوص القديمة كما قد ذهب إلى ذلك أصحاب المقالات المحدثة، في معرض درء ما اعتقدوه شبهة من شبه المثلثة فقاسوا قدم الصفات الإلهية التي تقوم بالذات القدسية، فلا تنتفي معاني الوحدانية الذاتية والأحدية الوصفية بذلك فليس كمثله جل وعلا شيء في ذاته أو في وصفه، قاسوها على أقوال الطائفة النصرانية التي قالت بالتثليث فأثبتوا قدماء مع الذات الإلهية، فقدماؤهم الذين زعموا: ذوات قائمة بنفسها وإن تكلفوا لذلك مقالات تباين المنقول والمعقول، فزعموا أنها أقانيم أو أوصاف للذات الأولى، فلا تساويها، بل هي وصفها، والوصف غير الذات، فذلك حق فهي لا تساويها حتى في ملتهم فلا يوجد من اعتقد قديمين في هذا الكون يتساويان من كل وجه كما أشار إلى ذلك شارح الطحاوية، رحمه الله، بقوله: "وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْعَالَمَ لَهُ صَانِعَانِ مُتَمَاثِلَانِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ. فَإِنَّ الثَّنَوِيَّةَ مِنَ الْمَجُوسِ، وَالْمَانَوِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِالْأَصْلَيْنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَأَنَّ الْعَالَمَ صَدَرَ عَنْهُمَا -: مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ النُّورَ خَيْرٌ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَهُوَ الْإِلَهُ الْمَحْمُودُ، وَأَنَّ الظُّلْمَةَ شِرِّيرَةٌ مَذْمُومَةٌ، وَهُمْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير