تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مُتَنَازِعُونَ فِي الظُّلْمَةِ، هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ مُحْدَثَةٌ؟ فَلَمْ يُثْبِتُوا رَبَّيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ. وَأَمَّا النَّصَارَى الْقَائِلُونَ بِالتَّثْلِيثِ، فَإِنِّهَمْ لَمْ يُثْبِتُوا لِلْعَالَمِ ثَلَاثَةَ أَرْبَابٍ يَنْفَصِلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، بَلْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ، وَيَقُولُونَ: بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ إِلَهٌ وَاحِدٌ. وَقَوْلُهُمْ فِي التَّثْلِيثِ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُمْ فِي الْحُلُولِ أَفْسَدُ مِنْهُ. وَلِهَذَا كَانُوا مُضْطَرِبِينَ فِي فَهْمِهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ، لَا يَكَادُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ، وَلَا يَكَادُ اثْنَانِ يَتَّفِقَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ، ثَلَاثَةٌ بِالْأُقْنُومِ! وَالْأَقَانِيمُ يُفَسِّرُونَهَا تَارَةً بِالْخَوَاصِّ، وَتَارَةً بِالصِّفَاتِ، وَتَارَةً بِالْأَشْخَاصِ. وَقَدْ فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ. وَبالْجُمْلَةِ فَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِإِثْبَاتِ خَالِقَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ". اهـ، وهي غير الذات، فالصفة غير الذات التي تقوم بها فهي قدر زائد عليها فليست عين الذات، ولكنها معنى قائم بها سواء أكان وصف ذات أم وصف فعل، فلا قيام له بنفسه، كأقانيم النصارى فأقنوم الكلمة قد قام بنفسه في شخص المسيح عليه السلام وأقنوم الحياة قد قام بنفسه في الروح الأمين عليه السلام، وذلك الفرقان بين مقالة أهل التوحيد ومقالة أهل التثليث، فأهل التوحيد لم يمنعهم إثبات وحدانية الرب، جل وعلا، في ذاته، من أن يثبتوا له ما أثبته لنفسه وأثبته له أنبياؤه عليهم السلام مما أوحي إليهم من وصف كماله برسم الإثبات بلا تشبيه والتنزيه بلا تعطيل، فلا يلزم من إثباتها تعدد للقدماء، فهي، كما تقدم، لا تستقل بنفسها فلا قيام لها إلا بذات تتصف بها والذات تتصف بأكثر من وصف بل مقتضى المدح: تعدد أوصاف الكمال وكثرتها برسم الانفراد فلا تتصف بها على هذا الوجه من الكمال ذات أخرى فهي حكر على ذات بعينها يحصل الثناء ويعظم بإفرادها بها، ولله المثل الأعلى، فهو المنفرد برسم الإطلاق بكمال الذات والوصف القائم بها أزلا وأبدا، فالصفات عندهم معان لا تدرك بالحس الظاهر وإنما يدركها العقل بمدارك النظر والتدبر، وهو ما أمرنا به في هذا الباب، فلم نؤمر بالتفتيش عن حقائق الصفات الإلهية في الخارج فذلك مما يتعذر لقصور قوى العقل عن ذلك، وإنما أمرنا بالتفتيش عن معانيها الثابتة في الذهن برسم التدبر، والتأسي بما صح لنا التأسي به منها، وتأول معانيها: رغبة في آثار صفات الجمال من رحمة ومغفرة، ورهبة من آثار صفات الجلال من عزة وانتقام وجبروت برسم: (ادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا): فادعوه خوفا من آثار وصف جلاله فذلك مما يولد الرهبة فيحصل بها تخلية المحل من كدر الكفر والمعصية، وادعوه طمعا في آثار وصف جماله فذلك مما يولد الرغبة فيحصل بها تحلية المحل بزينة الإيمان والطاعة فهي الذريعة إلى نيل المرغوب، فلم يلزم من مقالة أهل التوحيد إثبات قدماء مع الله، جل وعلا، يشاركونه وصف الأولية، فهو الأول على جهة الإطلاق بذاته القدسية وصفاته العلية التي تقوم بها، كما تقدم، وغيره حادث من العدم منته إلى الفناء، فالرب، جل وعلا، هو الأول والآخر، وفي ذلك إبطال، كما تقدم، لشبهة المعتزلة الذين قاسوا الصفات على الذوات فجعلوا تعدد الأولى وهي مما لا يقوم بنفسه كتعدد الثانية وهو مما يقوم بنفسه، فذلك قياس مع الفارق لاختلاف الوصف، فمقتضى العقل: اختلاف الحكم فيثبت لكل ما يلائمه من الأحكام، فلا يستوي ما يجري على المعقولات التي لا يتصور وجودها مطلقة إلا في الذهن فلا وجود لها في الخارج إلا مقيدة بذات تقوم بها، لا يستوي ما يجري عليها وما يجري على المحسوسات التي تقوم بنفسها في الخارج، وأما أهل الثليث فقد ألزموا أنفسهم في تحكم عجيب ينقض قياس العقل الصريح فضلا عن إبطاله نقل النبوات الصحيح، ألزموا أنفسهم بتعدد القدماء فزعموا تجسد الصفات المعقولة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير