تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في أقانيم محسوسة تباين الذات القدسية وتشترك معها في وصف الأولية، وذلك من المحال الذاتي فضلا عن بطلانه في الشرع، فالصفة، كما تقدم، لا تقوم بنفسها، ولا تتجسد، وهى معنى لطيف، في جسد كثيف، ولا تباين الذات الموصوفة بها فتنفصل عنها بحلول أو اتحاد بذات أخرى رسمها الحدوث ثم الفناء، فتلك معان تنتفي بداهة في حق الرب ذي العزة والجلال، فكيف بمن أجراها على الذات الإلهية فزعم حلولها أو اتحادها بنفسها برسم الخصوص كمقالة النصارى اليعاقبة أو الأرثوذكس، أو العموم بذوات المخلوقات الحادثة، كمقالة الاتحادية من غلاة أهل الطريق، فجوز طروء أوصاف النقص الجبلي على ذات الرب العلي عز وجل برسم القداسة عن أوصاف النقص والدنس التي لا ينفك عنها مخلوق بمقتضى الجبلة التكوينية فذلك فرقان أبان به، جل وعلا، عن وصف كماله المطلق، فبضدها تتميز الأشياء فبما ركز في هيئات وصور المخلوقات من نقص بحدوث بعد عدم وفناء بعد وجود برسم التأقيت لا ينفك عن جملة من العوارض الكونية، بما تقدم ظهر كمال وصفه فهو: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، في مقابل نقص وصف خلقه فتجري عليهم أعراض النقص من غقلة وسنة ونوم ولغوب ومرض وموت ....... إلخ من المعاني التي تنتفي بداهة في حق الرب، جل وعلا، فهي مما يناقض كمال ربوبيته.

والأمة هي الدين كما في نص التنزيل، فـ: (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ): فحصل تكرار التوكيد إمعانا في التقليد الأعمى، بل وقع فساد التصور بجعل طريقتهم الضالة مظنة الهدى، فهم مهتدون بالسير على آثارها، وقد يقال بأن المراد هنا مطلق اقتفاء الأثر الذي تدل عليه مادة الهداية بغض النظر عما يؤدي إليه من هدى أو ضلال، ويؤيده ذكر الاقتداء فيكون في الخير والشر معا في آية تالية في نفس السياق فقالوا بعدها: (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ).

ولا يخلو هذا الوجه، أيضا، من إشارة إلى معنى الكثرة، فقد وجدوهم على جملة من العوائد المحدثة التي بلغت من الكثرة حد الطريقة الكاملة التي تضاهي طريقة الشرع المحكمة فوقعوا في الابتداع العلمي وما يتفرع عليه من الابتداع العملي، ووقعوا في ابتداع أصول تضاهي أصول التوحيد وفروع تضاهي شرائعه وأحكامه فذلك شأن البدعة التي تبدأ كما قال بعض أهل العلم: أشبارا وتنتهي أميالا، وتتبع تاريخ المقالات الإسلامية خير شاهد على ذلك فلا زالت في تطور مستمر حتى يوم الناس هذا، وذلك مما يظهر بصورة أجلى في الديانات المبدلة لا سيما الديانات منزوعة الشرائع!، إن صح التعبير، كديانة التثليث الموسومة بالنصرانية، فإن نسخ الناموس أو إبطاله قد فتح الذريعة على مصراعيها لكل محدث في الأصول أو الفروع من رءوس الملة ليضع ما يروق لهواه من أصل علمي، أو لذوقه من حكم عملي، فوقع الابتداع في العلم والعمل معا على ما اطرد من التلازم الوثيق بين فساد العلم وفساد العمل، فقوى البشر متلاحمة سواء أكانت صحيحة أم فاسدة، فإذا صلحت القوة العلمية التي تنشأ الإرادات منها، صلحت الأقوال والأعمال التي تنشأ من الإرادات، وإذا فسدت الأولى فسدت الثانية فالثالثة على ما اطرد من اتصال إسناد الفعل من لدن كونه تصورا عدميا في الذهن إلى صيرورته فعلا وجوديا في الخارج.

والأمة هي الفترة الزمنية الطويلة، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ)، ولا تخلو، أيضا، من معنى الكثرة فأيامها عديدة وشهورها مديدة، فقد يقال، والله اعلم، بأن هذا المشترك اللفظي الجامع لمعان متباينة لا يخلو من نوع اشتراك خفي في معانيها الكلية قد يلحقه بالمشترك المعنوي.

والشاهد أن الخليل عليه السلام قد تضجر لأجلهم ولأجل معبوداتهم الباطلة، فدلالة اللام تعليلية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فصنيعهم مع فساده البين الذي ينزل منزلة العلم الضروري الذي استنطقهم به، ذلك الصنيع مما يثير حنق كل موحد يرى الظلم الفاحش بصرف العبادة لغير الرب الواحد، جل وعلا، من آلهة لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، فضلا عمن يدعوها برسم: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)، فذلك من الاستفهام الإنكاري الذي يفيد النفي فلا أضل منه في علمه الذي صور له أنها تملك نفعا أو ضرا وعمله الذي صدق هذا الظن الفاسد، ثم جاء التذييل باستفهام على حد الإنكار والتوبيخ: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، فذلك مما يلائم سياق التضجر من حالهم الفاسدة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[الأبلق]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 01:37 م]ـ

جهد مشكور أخي المهاجر لا حرمك الله الأجر والمثوبة

ويا حبذا الإختصار لتسهل قراءته وتتحقق الفائدة المرجوة من عرضه


¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير