تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخاتمة بمعجزة عقلية باقية هي التنزيل المنقول برسم التواتر فحصلت به الطمأنينة في النقل الصحيح على وجه ليس لغيره من الكتب أو المقالات بل قد حصل لما هو دونه من أخبار السنة فمتواترها قليل وآحادها كثيرة قد حصل لها التواتر العام باعتبار الجملة فنقل مجموعها متواتر، ولكثير من آحادها من الأدلة والقرائن المحتفة ما ارتقت به من مرتبة الظن الغالب إلى مرتبة العلم النظري، فالوحي بنوعيه قد حصل له من الحفظ ما قامت به حجة الرب، جل وعلا، على عباده فذلك من أعظم صور العناية بالبشر بحفظ ما يقيم دينهم، فذلك، عند التحقيق، أعظم مما يقيم أبدانهم، فعلاج أمراض القلوب أولى بالعناية من علاج أمراض الأبدان، وإن كان الدواء مرا، فـ: "كما أنه لا بد من احتمال مرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة، فكذلك لا بد من احتمال المجاهدة، والصبر على مداومة مرض القلب بل أولى، فإن مرض البدن يخلص منه بالموت، ومرض القلب عذاب يدوم بعد الموت أبداً". اهـ

"مختصر منهاج القاصدين"، ص130.

فكلما كان الناس إلى الشيء أحوج كان الرب، جل وعلا، به أجود، فيجود بأدلة الخبر والعقل ليحصل للعبد طمأنينة تقر بها عينه فـ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فتلك، عند التأمل، وظائف العقل المسدد، فليس من وظيفته: البحث والتنقير عن حقيقة ما غيب من حقائق السمعيات من وصف الرب الجليل، تبارك وتعالى، أو حقائق السمعيات الخبرية من أحوال دور لا يدركها العقل، فلا يكلف إلا بالإيمان بما صح من أخبارها، ومستندها، كما تقدم، لا يكون إلا نبوة معصومة، فذلك وصف الرسل عليهم السلام، أخبارها محفوظة، فذلك مما استقلت به النبوة الخاتمة، فذلك مما يلائم وصف العالمية والأبدية، فحفظها قد حصل برسم الديمومة، فالكتاب العزيز محفوظ، والسنة محفوظة فلو: "همّ رجل أن يكذب في الحديث وهو في بيت في جوف بيت، لأظهر الله عليه" كما أثر عن سفيان الثوري رحمه الله.

فلا يصلح العقل لإعمال القياس في مقابل النص، معارضة للوحي برسم الازدراء للخبر والتوقير للقياس الذي يأتي تبعا فمرتبته مرتبة المقلد لا سيما في الغيبيات السمعية، فلا يدرك حقائقها، كما تقدم، بل غايته أن يدرك منها معان كلية يوجبها كصفات الذات الإلهية المعنوية من علم وحكمة ..... إلخ، فالرب الإله المعبود بحق لا يكون إلا عليما حكيما، فذلك من البدائه الضرورية التي دلت عليها جملة من الأدلة العقلية: من خلق وإحكام وعناية، أو يجوزها كصفات من قبيل صفات النزول الإلهي على الوجه المرضي برسم التفويض في الحقيقة فلا تدرك والتدبر في المعنى فهو نزول يليق بالذات الإلهية لا يلزم منه حلول في جهة مخلوقة بل يقرب، جل وعلا، من عباده، برسم الفضل، فيفيض عليهم من رحماته برسم: "هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ"، فإذا ثبت له كمال الربوبية فلا يصح في الأذهان ولو قبل ورود الشرائع المنزلة صرف شيء من ضروب التأله لغيره، فتوحيده في ألوهيته شعائر وأحكاما وسياسات وأخلاقا، توحيده العام في كل صور التأله برسم: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ): لازم توحيده العام في ربوبيته إيجادا وإعدادا وإمدادا وتدبيرا وإحكاما ورزقا ....... إلخ، ففي عالم الشهادة لا يصح في الأذهان في الأذهان أن يصرف العبد خراجه إلى غير مولاه الذي يملك رقبته، فكيف بملك الملوك، جل وعلا، فقياس الأولى في هذا الباب صحيح فهو، تبارك وتعالى، الأولى نقلا وعقلا بصرف خراج العبد الإرادي من عمل باطن مستتر وعمل ظاهر مشتهر إليه وحده برسم الإفراد فلا شريك له في التوجه بالقلب والجوارح، فـ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، إذ لا شريك له في الخلق والرزق والتدبير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير