تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"إن الناس لجهلهم لا يعدون ما يعم الخلق في جميع أحوالهم نعمة، فلذلك لا يشكرون على جملة ما ذكرناه، من النعم، لأنها عامة للخلق، فلا يعده نعمة، فلا تراهم يشكرون الله على روح الهواء، ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع الهواء عنهم ماتوا، ولو حبسوا في حمام أو بئر ماتوا غماً، فإن ابتلى أحدهم بشيء من ذلك ثم نجا، قدر ذلك نعمة يشكر الله عليها، وهذا غاية الجهل، إذ صار شكرهم موقوفاً على أن تسلب عنهم النعمة، ثم ترد إليهم في بعض الأحوال، فالنعم في جميع الأحوال أولى بالشكر، فلا ترى البصير يشكر صحة البصر إلا أن يعمى، فإذا أعيد بصره أحس بالنعمة وشكرها حينئذ وعدها نعمة، وهو مثل عبد السوء يضرب دائماً، فإذا ترك ضربه ساعة، شكر وتقلد ذلك منة، وإن ترك ضربه أصلا، غلبه البطر وترك الشكر". اهـ

بتصرف يسير من: "مختصر منهاج القاصدين"، ص242.

فله، جل وعلا، القيومية اللازمة في نفسه والقيومية المتعدية إلى غيره فهو القائم بذاته القدسية وصفاته العلية فلا يفتقر إلى غيره، المقيم لغيره بقدره الكوني النافذ ورزقه النازل.

وفي زماننا قد صارت كثرة مباشرة المطعوم، أو حتى مباشرته على جهة الاعتدال مظنة الهلاك!، مع كونه من الرزق الرباني ولكن التدخل البشري: المعقول بشؤم الكفر والمعاصي، والمحسوس بعبث الإنسان الظاهر في استنبات الأرزاق قد صيرها معدنا للمرض والسقم، بل الموت بأدواء عضال لم يكن لها وجود حتى أعصار قريبة ولم يكن لها هذا الانتشار الكبير حتى سنوات قليلة.

فالضرورات تقدر بقدرها، وما أمات كثيره فتناول قليله يكون برسم الاضطرار فإنه لا بدن يستغني عن طعام وشراب، فليأخذ قدر الحاجة ولا يزيد فذلك مما يحسن في أزمنة البركة والرخاء فكيف بأزمنة الشؤم والشدة؟!.

فللرب، جل وعلا، الإحاطة العلمية الزمانية، كما تقدم، فهو الأول والآخر الذي كان ولم يكن أحد، وسيبقى بعد أن يفنى البشر، وهو بما كان قبل الخلق، وما كان بعده، عالم بل عليم برسم الإحاطة، كما تقدم، فعلمه ذاتي ملازم له، فأولية العلم من أولية الذات التي اتصفت به، وله الإحاطة المكانية فهو الظاهر فليس فوقه شيء، فله الظهور الذاتي على خلقه برسم العموم والفعلي بالاستواء على العرش برسم الخصوص، كما تقدم، وتلك معان، وهو محل الشاهد، لم يكن للعرب، علم مفصل بها، فكان لهم منها المجملات الفطرية وآثار دارسة من الملة الإبراهيمية فلم يكن لهم ما لأصحاب الشريعة التوراتية الذين ورثوا الكتاب علما بلا عمل فجحدوا الكتاب الخاتم فـ: (لَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)، وجحدوا وصف النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: (لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، فجاء التنزيل الذي أنكروه وطعنوا فيه ونبذوه، جاء بما يفضح مسطور كتبهم فـ: (كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)، وتاريخ أممهم، فـ: (اسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ)، وهو ما تقدم آيةَ ذم الخلف الذي ورث الكتاب وأعرض عن أخباره فكذبها، وأحكامه فخالفها، فحكى التنزيل طرفا من حالهم: (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، ثم حكى طرفا من العقوبات الكونية التي أنزلها بهم جزاء وفاقا لمخالفتهم الطيقة الشرعية، فشؤم مخالفة الشرع يظهر لزوما في فساد أمر الكون:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير