تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خصوصا بعقوبة تستأصل بها أمة أو جماعة بعينها، وقد انتهى ذلك بمبعث الكليم عليه السلام، كما أشار إلى ذلك بعض أهل التحقيق، وإن وقعت صور منه بعد ذلك فهدمت مدن وأغرقت قواعد ولكنها لم تكن على شاكلة إغراق فرعون وجنده، فلم تكن بتلك الضخامة ولم يكتب لها ذلك الذيوع، فذلك، والله أعلم، مما ينزل منزلة الدجاجلة الثلاثين فقد ادعى النبوة غيرهم كثير، وإنما ورد النص على عدد بعينه فهو عدد من سيظهر أمره ويفشو ذكره حينا ليقع بذلك الابتلاء الكوني ثم يفضح فذلك موجب ما كتبه الرب، جل وعلا، على نفسه من حفظ لحجة الرسالة الخاتمة من المعارضة ورحمة بالأمة الخاتمة من شؤم تبديل النبوات الذي وقعت فيه الأمم من قبلها، وإن نالها ما نالها من شؤم كتمان علماء السوء الممالئين لأئمة الجور في كل عصر ومصر، فلا يخلو زمان أو مكان منهم، ولا يخلو دين منزل منهم وإن تفاوت أثرهم فقد عظم في ملة كالملة التثليثية فقد تآمر من ينتسب إلى الديانة مع إمبراطور من أباطرة الوثنية فاصطلح الطرفان على ديانة حادثة مزج بها التوحيد بالشرك!، ونسب فيها وصف النقص إلى الرب، جل وعلا، وذلك من اجتماع المتناقضين الممتنع عقلا وهو مما يسبب حرجا لكثير من المثلثة الذين يعملون عقولهم فيتحررون من رق الكهنوت، فيقعون لزوما في مأزق فكري كبير لا ينقذهم منه إلا دين التوحيد الخاتم فهو دين الأنبياء الجامع الذي استجمع أصول الخبر والعقل والفطرة فلا يكابد أصحابه ما يكابد أصحاب المقالات الحادثة من جهد عقلي مضن لقبول مقالة تنقض أصول العقل والفطرة نقضا، فلا يقبلونها إلا بتأويل متكلف أو تغييب للعقل برسم التقليد الأعمى، فـ: (إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ).

فعظم أثرهم في الملة النصرانية حتى أتى على أصل التوحيد بالإبطال، وعظم أثرهم في الملة الخاتمة كما هي الحال في زماننا فكتموا وداهنوا وأعطوا الدنية في الدين للكفار الأصليين وأذنابهم من العلمانيين والزنادقة، بل وأصحاب المقالات الحادثة ممن ينتسبون إلى الملة الخاتمة، فأثر علماء السوء الذين يرثون علم الكتاب دون عمله فيأخذون به عرض الدنيا فهم متأكلون برياساتهم الزائلة تأكل رءوس الكفار الأصليين من حاخامات وقساوسة، فقد شابهوهم في الوصف وإن لم يشتركوا معهم في الأصل، فكلاهما: مادة شؤم تستنزل بها العقوبات الكونية وتحجب بها الرحمات الربانية بتعطيل أخبار الشرع وأحكامه وذلك الخبر عن الدجاجلة الكذابين هو من جنس الخبر عن المكذبين من بني إسرائيل فكلاهما من دلائل النبوة ففيه من الإخبار عن المغيب سواء أكان مما مضى أم مما سيأتي، فيه من الإخبار عنه ممن لم يؤت علمه فلم تتوفر له أسبابه بكتاب يقرؤه، فـ: (مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)، أو معلم يجلس إليه فـ: (لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، فيه منه ما يشهد ضرورة بصحة الرسالة الخاتمة وصدق النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أو عموما بعقوبة يستأصل بها النوع الإنساني، وذلك مما انتهى بطوفان نوح عليه السلام، وإن بقي الشؤم العام لكفر البشر ومعاصيهم أمرا ظاهرا لا سيما في الأعصار المتأخرة التي حجبت فيها شمس النبوة عن كثير من أمصار الدنيا، فذلك شؤم عام من جنس الشؤم العام لكفر قوم نوح فقد أتى عليهم بالاستئصال العاجل، وشؤم البشرية الآن يأتي عليهم بالاستئصال التدريجي برسم التخوف في قوله تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ).

ومن جملة ما وقع لأولئك:

وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا:

فالزيادة في المبنى مئنة من الزيادة في المعنى فذلك آكد في تصوير العقوبة.

ومن ثم:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير