تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، فحجة أهل الباطل فـ: (الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)، فالمتشابه لا يعدل المحكم بداهة، فذلك، أيضا، من صور القياس العقلي الصريح الذي صدرت به الآية فلا يستوي متشابه يورث حيرة وقلقا ومحكم يورث طمأنينة ورسوخا، فالقانت آناء الليل عنده من محكم التصور والإرادة ما ليس عند خصمه، فالمحكم زاده الذي يغتذي به فينتفع: تصورا صحيحا يولد في القلب والجوارح إرادات وحركات صالحة هي تأويل العلم الذي ذيلت الآية بمدح أهله فالاستفهام: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ): إنكاري إبطالي في معرض مدح وذم، فهو في معنى النفي فما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فيمدح أهل العلم فمدحهم ثابت في الشرع والعقل فالعلم معنى شريف دل عليه الوحي بالإنكار على من عطله، فجاء الاستفهام الإنكاري التوبيخي في مواضع من التنزيل حضا لأصحاب العقول المعطلة على إعمال قوى القياس والنظر، وتنويها بأصحاب العقول العاملة التي استفادت من العلم أعظم فائدة فقد ولد فيها من صلاح العمل ما حملها على القنوت والسجود فذلك العلم النافع الذي يحمل صاحبه على مباشرة أسباب العمل الصالح فيكون ذلك من قبيل التذييل بالعلة عقيب المعلول، فالعلم علة أولى والعمل باطنا أو ظاهرا: نتيجة ضرورية تقترن به برسم الضرورة العقلية التي لا ينكرها إلا جاحد أو مسفسط ينكر بدائه العقول الصريحة التي ركزها الرب جل وعلا في عموم الخليقة فالتذييل بالعلة عقيب المعلول آكد في تقرير المعنى وأدعى إلى قبول الحكم، فيغتذي بالمحكم ويرد به غائلة المتشابه الذي يضر القلب ويفسد المحل، فاختلف الحكم لاختلاف الوصف، فذلك من الطرد والعكس الذي يشهد لقياس التنزيل بالإحكام، فمن اتبع المحكم فرد إليه المتشابه نجا بموافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ومن تتبع المتشابه هلك بمعارضة النقل الصحيح بعقل فاسد، أو معارضة القياس الصريح بنقل باطل، فلا ينفك الفساد في الاستدلال عن: نقل باطل ابتداء، أو عقل فاسد يباشر المنقول على غير هدى من لغة أو أصول، فلا ينظر في الدليل بعد ثبوت صحته، وذلك حكم لا يفتي به إلا من تضلع في علوم الرواية، ولا ينظر فيه إلا من تضلع من علوم الدراية فعلم من طرائق اللسان الذي نزل به الوحي ومسالك الاستدلال التي قررها أهل الأصول ولا تخرج في جملتها عن طرائق العرب في كلامها فالأصول الشرعية: أصول استدلال على المعاني بالنظر في المباني لمعرفة مراد المتكلم وذلك الغرض الرئيس لأي ناظر في نص شرعي أو بشري فمعرفة مراد المتكلم لا تحصل إلا بالإلمام بمعهود كلامه بل ومعهود حاله، فالقرائن التي تدل على مراد المتكلم: سياقية وحالية، فالأولى تستفاد من منطوق لسانه، والثانية تستفاد من منطوق حاله أو ما اصطلح على تسميته بـ: "بساط الحال"، وإليه أشار ابن خلدون، رحمه الله، في "المقدمة" بقوله:

"لأن الألفاظ بأعيانها دالة على المعاني بأعيانها. ويبقى ما تقتضيه الأحوال ويسمى بساط الحال محتاجاً إلى ما يدل عليه. وكل معنى لا بد وأن تكتنفه أحوال تخصه، فيجب أن تعتبر تلك الأحوال في تأدية المقصود لأنها صفاته، وتلك الأحوال في جميع الألسن أكثر ما يدل عليها بألفاظ تخصها بالوضع. وأما في اللسان العربي فإنما يدل عليها بأحوال وكيفيات، في تراكيب الألفاظ وتأليفها، من تقديم أو تأخير أو حذف أو حركة إعراب. وقد يدل عليها بالحروف غير المستقلة. ولذلك تفاوتت طبقات الكلام في اللسان العربي بحسب تفاوت الدلالة على تلك الكيفيات ........ فكان الكلام العربي لذلك أوجز وأقل ألفاظاً وعبارة من جميع الألسن". اهـ بتصرف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير