تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فله من الدلالة على المعاني ما قد يفوق الدلالة اللفظية المعجمية، فالحال يدل على معان ثانوية لا يدل عليها الكلام ففيه من المعاني الخفية ما قد يعجز اللسان عن نقله فـ: "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" وذلك مما يظهر في مسائل كمسائل الكنايات التي لا يحكم بمراد قائلها قبل الاستفسار وترداد النظر في حال المتكلم فهو قرينة ترجح معنى دون آخر، فدلالته من جنس دلالة السياق على معان إضافية لا يدل عليها اللفظ مفردا، فالتركيب، سواء أكان لفظيا بإدراج الكلمة في سياق يرجح معنى دون آخر إن وقع إجمال باشتراك أو نحوه، أم حاليا فالحال بمنزلة القرينة التي تفصل النزاع، أيضا، في بيان المجمل، بتعيين المراد منه.

فما تقدموه لأنفسكم تجدوه في الدين تثبيتا ورسوخ قدم في الديانة، ونورا في البصر والبصيرة، فينجو صاحبه من الشبهات التي تعرض على القلوب عرض الحصير عودا عودا، والنوازل التي أقبلت تترى، فتدع الحليم حيران، ويزل فيها الأكابر فكيف بمن دونهم؟!، فما يقدمه الإنسان من عمل صالح في زمن الأمن والرخاء يجد أثره في زمن الخوف والشدة، وما يبذله في نصرة الديانة يجد أثره إذا أقبلت الفتنة، فلا يصمد فيها إلا من سدده الرب، جل وعلا، برسم البصيرة النافذة فبها يعرف الحق من الباطل، والإرادة الكاملة فبها يتبع الأول ويجتنب الثاني، فـ: "إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات"، فلا تكتمل القوى العلمية الباطنة التي تصد بها جيوش الشبهة، ولا تكتمل القوة العملية الظاهرة التي تصد بها جيوش الشهوة إلا بعلم نافع وعمل صالح وبذل خالص يجد صاحبه أثره في الدين وفي الدنيا، فيجد المبتلى ما قدم في زمن الشدة، فـ: "اللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ"، فيجد من التيسير لأمره والتهوين لخطبه ما فيه عزاء وسلوى عن كل ما فات أو فقد، فإن في الله عزاء من كل هالك، وعوض من كل مصيبة، وخلف من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المحروم من حرم الثواب.

والعاقبة للمتقين في دار الابتلاء نجاة ولو بعد حين، وفي دار الجزاء بسكنى جنان رب العالمين فهي الدار الكاملة فلا كدر ينغص ولا خوف من آت ولا حزن على ماض يذهل العقل ويشغل القلب، فهي دار النعيم الكامل، أعيانا وأحوالا، برسم التأبيد في جوار الرحمن، جل وعلا، فنعم الجار ونعم الدار.

ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بيان محال الخشية التي تحمل على العمل والرجاء عند انقطاع الأجل، من جوامعها قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

"اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام , ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان"

فإن كان ثم حياة وأجل فاجعلها برسم العمل، فالإسلام إذا اقترن بالإيمان كما في هذا السياق أفاد الدلالة على العمل فقد ورد في نصوص أخرى تفسيره بالمباني الظاهرة وهي من أعمال الجوارح بداهة، فالمداومة على أركان الإسلام وواجباته برسم الصلاح العلمي الباطن الذي يواطئ الصلاح العملي الظاهر، هي مراد الرب، جل وعلا، من المكلف، فبذلك نزلت الشريعة، ولا يكون ذلك إلا بمطالعة أوصاف الجلال التي تفيد القلب خشية حدها الاعتدال، فلا زيادة ولا نقصان، فكلاهما، كما تقدم، مئنة من الفساد بغلو يقنط صاحبه أو أمن يغره، وإن كان ثم موت وانقطاع للأجل، فاجعله برسم الإيمان فذلك مما يرجوه العبد وقد نزل القضاء بساحته، فاقترانه بالإسلام، كما تقدم، قد خصه بالعلم والعمل الباطن، فلا يقدر على عمل ظاهر وقد ضعف بنيانه وانهدت أركانه، فلا تنفعه الخشية في هذه الحال، فهي مما يبعث على العمل، وليس له الآن قدرة عليه، فلا يفيده الوعيد إلا حسرة قد تحمله على إساءة الظن بالرب، جل وعلا، وذلك مراد الشيطان في تلك اللحظات الفارقة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير