تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هو انقياد القلب بأجناس الأعمال والإرادات الصالحة فذلك تصديق بعد تصديق، فالأول مجرد في الذهن يتعلق بالتصور العلمي، والثاني حاصل في القلب يتعلق بالتأويل العملي لذلك التصور الأول، فيصدق القلب بالعلم، ثم يصدق بالعمل، فذلك، كما تقدم، تصديق بعد تصديق، فينشأ من ذلك لزوما تصديق ثالث هو تأويل العلم العملي في الظاهر، فهو أول ما يظهر للرائي وآخر ما يتولد بالنظر إلى التسلسل العقلي السابق، فلا يتصور، كما تقدم، علم إلا بعمل يصدقه، ولو تصديقا ضعيفا بل وناقصا، يصير صاحبه من أهل الوعيد فمعه، كما تقدم، أصل الإيمان دون كماله الواجب، فوعيده مؤقت في مقابل وعيد من انتفى الأصل من قلبه فعمله حابط برسم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) فلا يستفيد منه إلا جزاء معجلا في دار الابتلاء برسم: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، فوعيده مؤبد، فتفاوتت درجات الوعيد بتفاوت ما قام بالقلب من فساد التصور والإرادة، فمنهم من فسد تصوره بغفلة عارضة بصغيرة فيكفرها اجتناب الكبائر، ومنهم من فسد تصوره بكبيرة فحجاب الشهوة في حقه أغلظ، ومنه من فسد تصوره بشبهة لا تأتي على أصل الإيمان بالإبطال، فتلك حال غالب أهل البدعة إلا من كان زنديقا في الباطن، وتلك حال رءوس البدع المغلظة، كما قد علم من تتبع تاريخ الفرق والمقالات الإسلامية، ومنهم من فسد تصوره بشبهة عظيمة حلت عرى الإيمان في قلبه، فأتت على أصله بالإبطال برسم الكفر الأصلي أو الردة المغلظة بزندقة هي، كما تقدم، نعت رءوس المقالات الردية في الملة الإسلامية، وذلك التفاوت في الأحكام تبعا للتفاوت في الأسماء في الدنيا والآخرة مما عظم فيه الخلاف فهو أول خلاف وقع في هذه الأمة، كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله، ومما يلزم الاقتصار في استمداده على موارد الوحي المحفوظ: كتابا وسنة، فالأسماء الشرعية التي يحكم بها على الأقوال برسم الإطلاق أو الأعيان برسم التقييد، لا تتلقى إلا من الوحي، فيدور الاسم وما يتضمنه من حكم بتكفير أو تفسيق ..... إلخ، يدور مع علله التي علمت باستقراء موارد الباب من نصوص الوعد والوعيد، كما قد أبان عن ذلك من صنف في حقيقة الإيمان وحدوده وفرائضه ونواقضه ..... إلخ من المسائل التي لا تحصل النجاة إلا بالافتقار إلى نصوص الوحي في تقريرها.

وهم البدن الذي يتألم بما ناله من عذاب: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)، فعذاب أدنى في الدنيا قبل العذاب الأكبر في الآخرة، وقال بعض السلف بأنه عذاب البرزخ، فتكتمل بذلك القسمة العقلية الثلاثية بتعدد الدور فهي ثلاثة: دار ابتلاء فيها من العذاب: عذاب الاستئصال العام وقد انقطع هذا الجنس بطوفان نوح عليه السلام، وعذاب الاستئصال الخاص لأمة بعينها وقد انقطع هذا الجنس بإغراق فرعون، والعذاب الجزئي بالاستئصال الموضعي كما قد وقع للشرك في مكة بعد الفتح فقد زال منها بصيرورتها دار إسلام وسلم بعد أن كانت دار كفر وحرب، والعذاب الذي تبتلى به الأمم ولو مؤمنة فلا يلزم أن يكون برسم الاستباحة للمصر أو المحلة، بل قد يكون كذلك، كما يقع في البلاد التي يدهمها العدو فيستبيح بيضتها دون سائر المحال فالبيضة العامة للأمة الخاتمة باقية فذلك موعود الرب، جل وعلا، لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: "إني سألت ربي لأمتي أن لا يُهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمَّد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً، ويَسْبي بعضهم بعضاً"، وقد يكون:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير