تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلا ينقضي العجب ممن يروم في هذه الأزمان إبطالَ سنة التدافع برسم التسامح والتعايش الذي يفضي إلى انحلال عرى الولاء والبراء في القلب: معدن العلوم والإرادات، فيفسد التصور فتلك حلقة أولى تتلوها حلقة فساد الإرادة ففساد العمل الظاهر بإعطاء الدنية في الدين، على ما تقدم من تسلسل حلقات العلم والإرادة والعمل في الوجود، ولا يزيد ذلك الكافر إلا صلفا وغرورا فبقدر ما يبذل له من الديانة برسم المداهنة يكون علوه واستكباره في الأرض بغير الحق، فما عز باطل وظهر إلا بذل أهل الحق، بقعودهم عن نصرته بحجج العقل وسنان القتل والحرب، ولا ظهور لأي مقالة في الدنيا، ولو كانت عين الباطل نقلا والمحال عقلا، لا ظهور لها إلا بمن ينتحلها فيذب عنها بلسانه، ولو افترى لها من الحجج وافترى على مخالفها من الكذب ما افترى، كما نرى في زماننا من افتراء أهل الباطل من كفار أهل الكتاب على النبوة الخاتمة، ويذب عنها بالسيف، ولو سيف قهر وظلم كما يقع من أصحاب المقالات الباطلة فسنتهم الجارية في الماضي والحاضر: التعصب الذي يحمل صاحبه على القتل والهتك برسم الديانة فيصير قتل الشيوخ والنساء والأطفال بل والبهائم العجماوات دينا فحد السيف شفاء لما يعتمل في الصدور من حقد وغل متراكم من لدن حصلت المفارقة ببعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنصب له من نصب من كفار أهل الكتاب راية العداوة فـ: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وصدق به منهم من قد شرح الرب، جل وعلا، صدره للإيمان بالنبوة الخاتمة، فـ: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)، فأراد بهم الرب، جل وعلا، الخير فضلا، فـ: (مِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، فاجتمعت لتلك الأمة أسباب النجاة من هداية علمية نافعة، وطريقة عملية صالحة فبالحق يعملون تصديقا وامتثالا، وأراد، جل وعلا، بكثير منهم الضلال عدلا، فـ: (كَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ).

والشاهد أن ذلك لازم المباينة في العلم فلا بد أن ينتج في الخارج مباينة في العمل فيقع ما تقدم من المدافعة التي يكون الظهور فيها لمن كان أصلب ديانة، ولو كان مقاله باطلا، فقد تحرق غيرة له فتحرك نصرة له ولو كانت حركته فاسدة لفساد مادتها الباعثة.

ولا ينقضي العجب ممن يضع آيات الجمال من قبيل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) في مواضع الجلال كالآية التالية مباشرة!: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فيذل لمن أذله الله، عز وجل، فوسمه بالكفر، ويظن ذلك من كرم الشمائل، وذلك من السفه بمكان فلا يحسن يضع الأمور في نصابها، فالحكمة تقتضي وضع الشيء في موضعه الملائم فتبذل أخلاق الجمال لمن هو لها أهل من: مؤمن برسم الموالاة الكاملة فوصف المؤمنين: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، و: معاهد برسم العزة فلا يذل لمن ضرب عليه الذل والصغار، أو هكذا يكون الحال لو كانت أعلام النبوة في الأرض ظاهرة!، فذلك تأويل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، ووصف النبي الضحوك القتال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "بعثت بين يدي الساعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير