تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالسيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالفني ومن تشبه بقوم فهو منهم"، فرزقه تحت رمح الطلب لأعداء النبوات، فبه تحرر الشعوب من طغيان الكهنة والملوك الذين أفسدوا الدين والدنيا معا:

وهل أفسد الدين إلا الملوك ******* وأحبار سوء ورهبانه

فأفسده الملوك ليأمنوا جانبه فلا يعكر صفوهم!، وأفسده رهبان السوء وأحباره ومن سار على طريقتهم الردية من حملة العلوم الشرعية برسم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، فالمعنى يعم سائر الأمم فتلك سنة حصل تأويلها في سائر الملل وإن كان حظ الإسلام في السلامة منها أعظم وأثرها فيه أهون، فقد سلمت مقالته مما جرى على المقالات السابقة من الكتمان والتبديل، فأفسده أولئك لما داهنوا الملوك فأقروهم على باطلهم بل والتمسوا له أدلة من الشرع ما يسوغه!، فباعوا دينهم بدنيا غيرهم، فلم ينلهم منها إلا الفتات مع ما ضرب عليهم من الذلة والصغار في أعين من استعملهم، فذلك تأويل حديث عائشة رضي الله عنها: "من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وجعل حامده من الناس له ذاما ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وجعل ذامه من الناس له حامدا"، ولذلك كانت السلامة، كل السلامة، في الأعصار المتأخرة الفرار من الدخول على الملوك أو الولاة، كما ذكر ذلك ابن الجوزي رحمه الله، فليس ثم في عصره وفي عصرنا من باب أولى، ليس ثم فيه عمر بن عبد العزيز واليا والحسن البصري ناصحا!.

وتبذل في المقابل أخلاق الجلال لمن هو لها أهل برسم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، فوصف المؤمنين: (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)، فـ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)، فالبر في أمر الدنيا لمن لم يشهر سيف العداوة للإسلام بالقدح في رسالته والهتك لمحارمه شيء، والسيف لمن نقض ذمته بالقدح في نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووحيه شيء آخر، فلا تعارض بينهما لاتفكاك الجهة، فجهة الجمال تباين جهة الجلال فلا يحسن استعمال أحدهما في محل الآخر

فـ:

وضع الندى في موضعِ السيفِ بالعلا مُضِرٌ ******* كوضع السيف في موضع الندى

ولا يحسن تسكين المشاعر في زمان غلبت فيه الذلة باستعمال نصوص الجمال، وغض الطرف عن نصوص الجلال، وهو ما يقع فيه بعض الفضلاء خشية الاتهام الجائر بالإرهاب والتطرف، فتصير موالاة الكافرين وإسلام المؤمنين لهم جماعات ووحدانا، كما هي الحال في الآونة الأخيرة، يصير ذلك أمرا لا تحسن إثارته لئلا تقع الفتنة!، وأي فتنة أعظم من الفتنة في الدين؟!، وتصير المبادرة إلى شجب واستنكار كل ما يمس الكفار أمرا محمودا يضفي على صاحبه رسم الاعتدال الذي تتسع دائرته باطراد حتى يكاد أصحابه يقعون في فخ المداهنة في أصول راسخة فليس ذلك من المداراة الجائزة في شيء، بل فيه من توهين عرى الولاء والبراء ما فيه، بغض النظر عن الحكم الشرعي لبعض ردود الأفعال فقد تكون مرجوحة فيتعين بيان حكمها لئلا تقع فتنة حقيقية، ولكن مع ذلك تتعين الإشارة إلى أسبابها فلم تقع فجأة بلا أسباب!، فلا يحسن النظر في ركن من أركان الصورة دون بقية الأركان فذلك من نقصان استقراء الأحداث قبل الحكم عليها، والاستقراء الناقص لا يورث علما جازما أو حتى ظنا راجحا يحصل به تمام التصور للواقعة ليصدر الحكم عليها صحيحا ملائما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير