تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

، فـ: (لَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) كما لا تنفع توبة حال الغرغرة، فـ: (لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، فتتأثر كل صور الحياة بمخالفة بني آدم لسنن الشرع، كما تقدم، أو لسنن الكون، كما قد وقع من أرباب المدنية الحديثة في زماننا، فذلك أظهر من شؤم مخالفة السنن الشرعية لتعلقه بالبصر قبل البصيرة، فيستوي فيه كل من له حس ظاهر سليم، ولو كان ذا حس باطن فاسد بالإعراض عن التدبر والنظر في تلك العقوبات الكونية التي تجري على وفق سنن رباني محكم، فلا يعنى إلا برصد النتائج وتحليلها بل يرد الأمر إلى الطبيعة العاجزة الجاهلة، ولعل موجة الجفاف وارتفاع درجة الحرارة التي يتعرض لها شرق المتوسط الآن، خير شاهد على شؤم مخالفة السنة الشرعية فتلك حال عموم المسلمين في كل البلاد متوسطية كانت أو غير ذلك!، ومخالفة السنة الكونية بالعبث في موارد الكون وذلك ما أدى بمقتضى سنن الحياة التي يمكن رصد آثارها بالعلم التجريبي المحسوس إلى وقوع الاحتباس الحراري الذي يزيد معدلات الجفاف ويزيد معدلات أمراض لم تكن في معهودة في الزمن الماضي فهي وليدة عبث الإنسان في السنن الكوني المحكم، وذلك، أيضا، من صور الفسق الذي ورد في الآية وإن كان ذلك مما ينصرف ابتداء إلى فسق الاعتقاد بالكفر أو فسق العمل بالمعصية، ولكنه، لا ينفك بمقتضى التلازم بين الفساد الكوني والفساد الشرعي، لا ينفك عن نوع فسق وخروج ظاهر عن سنن الكون النافذ عبثا وإفسادا في الأرض ينال شؤمه الأبدان كما ينال شؤم الفسق المعهود الأديان بالتحريف لنصوصها والمخالفة لأحكامها، وذلك من وجه آخر: عقوبة عادلة لعدم الاقتصاد في تناول النعمة الربانية التي امتن بها الرب، جل وعلا، على تلك البلاد، فمواردها المائية كبيرة، ومع ذلك وقع الجفاف الذي عم دول الشرق المسلم فلا أمطار تقريبا مع دخول فصل الخريف وقرب انقضائه في بلاد كان معهود السنة الكونية فيها غزارة الأمطار واعتدال المناخ بل وبرودته في بعض الأمصار، فإذا المطر قد حبس، فذلك تأويل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فما: "منع قوم الزكاة إلا مُنِعُوا القطر من السماء؛ ولولا البهائم لم يمطروا"، وإذا الحر قد استمر فلم ينقطع تقريبا من الصيف إلى الآن!، إلا أياما معدودات، وإذا معدلات الأنهار في بلاد كالعراق ولبنان قد انحسرت إلى النصف، وإذا بلاد كلبنان تفقد جزءا كبيرا من غطائها الثلجي، وهو مخزون مائي استراتيجي كبير بدأ في النضوب، وإذا بلاد كسوريا تحدث فيها الهجرة الداخلية لنحو 350 ألف إنسان لوقوع الجفاف في مدنهم وبواديهم، وإذا بلاد كمصر لم تر المطر حتى الآن تقريبا!، مع ما قد علم من أزمتها المائية المتصاعدة مع دول الحوض التي تآمر بعضها صراحة مع كيان يهود لتقليل حصص دول المصب من ماء النيل مع تزايد الطلب عليه في السنين القادمة، إن قدر الرب جل وعلا، وكل تلك الظواهر ما هي إلا مظاهر غضب الرب، جل وعلا، لا غضب الطبيعة المزعوم، فهو أخذ بالسنين من قبيل الأخذ في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)، فآل فرعون الآن قد ساروا على سنن آل فرعون الأول فنالهم ما نالهم من عقوبات معجلة، فالسنة الكونية في إنزال العقوبة الربانية، كما تقدم، سنة جارية فلا نظر فيها إلى عين الفراعين!، وإنما النظر فيها إلى إفسادهم في الأرض مع زعمهم الإصلاح وبناء المستقبل الزاهر للجيل الناشئ!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير