تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ما لم يتوافر لمن جاء بعدهم، فعلموا من أسبابه ما لم يعلم من جاء بعدهم، فتحقق للكتاب الحفظ العام للألفاظ والمعاني، فقد جاء بأصدق الألفاظ وأعدل المعاني، فأخباره عن المغيب برسم الإطلاق من الإلهيات والسمعيات التي تأويلها وقوعها يوم التناد، وأخباره عن المغيب برسم التقييد بماض من أنباء الرسل عليهم السلام، وأخباره عن المغيب برسم التقييد بالحاضر، كما قد وقع في أخبار من الوحي المنزل كقوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) فذلك مما كان غيبا مكنونا في صدره صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأبطن كراهة للزواج من امرأة ربيبه فذلك مما كانت تستنكره العرب، فنسخ الإسلام كراهته باللفظ والعمل فتأول صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخبر بالتصديق والامتثال فتزوج زينب رضي الله عنها فكان ذلك آكد في تقرير الحكم بتوارد النسخ للفظه والتأول لحكمه بإيقاعه في الخارج فحصل البيان بالقول والعمل وذلك مما يرسخ المعنى في الذهن فالعمل يصدق القول ويشهد له ولم يكن ذلك إلا غيبا أخفاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأظهره الرب، جل وعلا، ولو كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاتما شيئا لكتم ذلك العتاب من ربه، جل وعلا، فذلك من الغيب المقيد بالحاضر، ومثله قوله تعالى: (قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)، فذلك، أيضا، من الغيب المقيد بالحاضر فأطلعه الرب، جل وعلا، على ما كان منها فهو العليم برسم الإحاطة، الخبير بدقائق المعلومات، فإحاطته لها إحاطة عامة بالكليات والجزئيات، ومن ذلك أخبار أخرى من الوحي، أيضا، وإن لم تكن من التنزيل كخبر عمير بن وهب، رضي الله عنه، وخبر الشاة المسمومة التي قدمتها اليهودية: زينب بنت الحارث للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فطعم منها ثم لفظها، وأخباره عن المغيب برسم التقييد بالمستقبل قد وقع منها، أيضا، ما يشهد لخبره بالصدق الجازم المتواتر فلم يتخلف الصدق عن خبر واحد من أخباره، فأين ذلك من أخبار غيره من الكذبة من أدعياء النبوة أو النيابة عن الإله برسم الحل والعقد!، أو النيابة عن الإمام برسم العصمة، أو الخلافة للشيخ صاحب الخرقة ......... إلخ من أجناس الغلاة الذين يدعون صدق المقال وكمال الحال، فيسلم لهم في كل ما يوحون به إلى أتباعهم!، والكذب قد وقع في نقلهم وكلامهم على وجه يقطع يقينا بكذبهم، وإن أظهروا النسبة إلى معظم فاضل كنبي معصوم أو إمام مقدم في الديانة أو شيخ ذي ولاية، فكيف تكون كل هذه الأخبار الصادقة، وكل هذه الأحكام العادلة التي لم يعرف البشر نظيرا لها ولو برسم نبوة سابقة فقد جمعت خلاصة كمال الشرائع النازلة فجمعت جلال الموسوية وجمال العيسوية، فقد أعيى الورى أن يأتوا بمثلها وتخبطهم في ظلمات الدساتير المحدثة خير شاهد على كمال شريعة كان لأصحابها القدح المعلى حال إنفاذها ثم هم قد صاروا الآن في ذيل الأمم حال تعطيلها فالحكم برفعة درجتهم يدور مع امتثال أحكام شريعتهم وجودا وعدما، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فلم يكن ثم عز وتمكين إلا بامتثال أحكام الكتاب العزيز، ولم يكن ثم ذل ومهانة إلا بهجره تأويلا ثم الآن تلاوة!، فـ: (قَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)، فمعنى الهجر يعم هجر مبانيه تلاوة وهجر معانيه تأويلا لها في عالم الشهادة بإنفاذ ما دلت عليه من أحكام العدل الإلهي التي ظهر بكمالها ونقصان أحكام البشر ما يدل ضرورة على كمال ربوبيته، جل وعلا، فتعم التقدير والتشريع، فذلك يقتضي كمال ألوهيته فلا يصلى لغيره ولا يتوجه الداعي بدعائه لسواه، ولا يتحاكم إلا إلى شرعه، فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فكيف يكون كل ذلك مما تلقاه عن بحيرى، أو غلام في مكة لا يحسن العربية فيأتي بكلام يعجز أرباب الفصاحة والبلاغة عن الإتيان بمثله؟!، وإلى ذلك أشار في "تمهيد الأوائل" بقوله:

"فإن قال قائل فما وجه دلالة ظهور القرآن على يده مما يدل على صدقه قيل له وجه ذلك من طريقين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير