تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحدهما: نظمه وبراعته.

والثاني: ما انطوى عليه من أخبار الغيوب وعلمها.

فأما وجه الدلالة من جهة نظمه فهو: أنا نعلم أنه تحدى العرب بأن تأتي بمثله في براعته وفصاحته وحسن تأليفه ونظمه وجزالته ورصانته وإيجازه واختصاره واشتمال اللفظ اليسير منه على المعاني الكثيرة ودعاهم إلى ذلك وطالبهم به في أيام المواسم وغيرها مجتمعين ومتفرقين فقال لهم في نص التلاوة: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)، يقول مواليا معينا وقال: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) وقال: (فأتوا بسورة من مثله) مبالغة في تقريعهم بالعجز عنه مع أن اللسان الذي نزل به لسانهم ومع العلم بما هم عليه من عزة الأنفس وعظم الأنفة وشدة الحمية والحرص على تكذيبه وتشتيت جمعه وتفريق الناس من حوله والتوفر على إكذابه وما عره وغض منه وخروجهم إلى ما خرجوا إليه معه من الحرب والمسايفة وحمل الأنفس على إراقة الدماء والخروج عن الديار ومفارقة الأوطان.

فلو كانوا مع ذلك قادرين على معارضته أو معارضة سورة منه لسارعوا إلى ذلك ولكان أهون عليهم وأخف من نصب الحرب معه والجلاء عن الأوطان وتحمل الأهوال والصبر على القتل وألم الجراح واحتمال الذل والعار لأنه قد كان من تكذيبه من وجهين:

أحدهما قوله: لن تأتوا بمثله.

والآخر قوله: إن أتيتم فلجتم وكنت مبطلا وكنتم المحقين هذا مع تلاوته عليهم في نص التنزيل قوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون).

ولو عرفوه بذلك أو بصحبة أهل الكتب ونقلة السير ومداخلة أهل الأخبار ومجالسة أهل هذا الشأن لم يلبثوا أن يقولوا له هذا كذب لأنك ما زلت معروفا بصحبة أهل الكتب ومجالستهم وقصدهم إلى مواضعهم ومواطنهم ومجاراتهم والأخذ عنهم والاستفادة منهم وفي صدفهم عن هذا أجمع وعن تكلف معارضة سورة منه أو إيراد ما قل وكثر من ذلك مع علمهم بخروج نظم القرآن عن سائر أوزان كلامهم ونظومهم أعظم دليل على صدقه ظهور القرآن منه وهو نشأ معهم وبين أظهرهم ولم يعرفوه بقصد أهل الكتاب ومجالسة غير من لقوه وعرفوه والاقتباس منه ولا انفرد بمداخلة فصيح منهم ومتقدم في البراعة واللسن عليهم آية عظيمة وأمر خارق للعادة لأن مثل ذلك لا يكتسب بتعلم وتدقيق ذكاء وفطنة ولطيف حس وحيلة". اهـ

والشاهد أن أجزاء القسمة العقلية المنجية قد اكتملت بالعلم الصحيح الذي صحت ألفاظه ومعانيه، فالوحي، كما تقدم، قد حفظت ألفاظه بالتواتر العام للكتاب بأكمله والسنة بمجملها، فأصل ثبوتها متواتر وبعض نصوصها قد حصل له التواتر العام الذي يورث العلم الضروري المغني عن النظر، وبعض آخر قد حصل له التواتر الخاص بما احتف به من قرائن، وبعض ثالث تحققت فيه شروط الصحة الاصطلاحية فصار حجة في العمل بلا خلاف، وفي العلم على الراجح من أقوال المحققين فثبوت صحة الحديث كاف في قبوله والعمل به برسم التصديق إن كان خبرا والامتثال إن كان حكما، فالتفريق بين العلم والعمل كما تقدم مرارا أمر غير متصور فمن قبل العمل بمقتضى خبر فقد سلم ضرورة بصحة العلم المستفاد منه فتستوي في ذلك نصوص الأخبار ونصوص الأحكام، ولذلك كانت أجزاء القسمة العقلية المنجية مركبة، كما تقدم، من: علم نافع وعمل صالح.

فجاء الأمر في آية يونس للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المبلغ عن ربه، جل وعلا، فـ: "قل" على جهة الإيجاب فذلك مقتضى منصب الرسالة، فـ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، فلم يقع الخلاف في توجه هذا الخطاب إلى الأمة موجودة كانت أو معدومة، فخطاب التكليف يعم بالمواجهة للحاضر والإعلام للغائب في زمن الرسالة أو بعدها، وإنما وقع الخلاف في توجه الخطاب المصدر بـ: "قل" للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو القائل والقائل غير السامع بداهة، ومع ذلك ترجح دخوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه، لقرينة عموم التشريع، وقرينة نصوص من قبيل: "قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ، قَالُوا يَا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير