في تكرار لفظ " بين " في قوله: " بيني وبين خطاياي " دليل على شدة طلب العبد ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه أبعد مما بين المشرق والمغرب، ولهذا لم يتكرر لفظ " بين " في قوله "بين المشرق والمغرب " وهذا الشعور في شدة الطلب بالمباعدة له أثره على معرفة العبد لأثر الذنوب والوقوع فيها.
الفائدة الثامنة:
في قوله " باعد بيني وبين خطاياي " دليل على أن الدنو من المعاصي والقرب من الذنوب وأماكنها أحد الأسباب التي تجعل العبد يقع فيها، فمن هنا طلب العبد من ربه أن يباعد بينه وبين الخطايا حتى لا يجد سبيل يوصله إليها.
الفائدة التاسعة:
قوله: " باعد بيني وبين خطاياي" المباعدة تشمل:
أ ـ طلب مباعدة الأثر: والمراد المباعدة من تأثيراتها وعقوباتها الدنيوية والأخروية ()، فإن للذنوب أثرا في الدنيا والآخرة، فيطلب المؤمن من ربه أن يباعد بينه وبين أثارها الدنيوية والأخروية.
ب ـ وتشمل المباعدة المكانية: فيسأل ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه من حيث المكان، فلا يكون قريبا من مواقع المعاصي ومواطنها لأن ذلك يسهل الوقوع فيها.
ج ـ المباعدة الزمانية: فيسأل ربه أن يباعد بينه وبين زمن الوقوع في الخطايا، فإن المؤمن يكون في عافية حتى يقع في شيء من الذنوب، وهذا كالنتيجة للمباعدة الأولى.
الفائدة العاشرة:
المؤمن هو الحريص على إبعاد نفسه عن الذنوب، فلذلك بدأ في طلب المباعدة بنفسه فقال: " باعد بيني " فبدأ بنفسه إشعارا منه لربه بأنه هو الحريص على الهروب من الذنوب، وهذا في مقام الاستفتاح مناسب جدا، فإن العبد بين يدي ربه يريد أن يظهر لربه وهو – وهو سبحانه أعلم به – أنه حريص كل الحرص على أن يقف بين يدي ربه هاربا بنفسه من الذنوب ومواقعها، وهذا أنسب من لو قال: باعد بين خطاياي وبيني.
الفائدة الحادية عشرة:
قوله: " بين المشرق والمغرب " هذه أبعد مسافة بين نقطتين، فكأن المراد باعد بيني وبين خطاياي بُعداً كثيرا كأبعد مكانين عن بعضهما وهما المشرق عن المغرب، فإن ما عداهما من الأمكنة وإن بَعُد لا يصل إلى بعدهما.
الفائدة الثانية عشرة:
قال: " باعد " ولم يقل: أبعد لأن صيغة " باعد " تقتضي المبالغة في الإبعاد، بخلاف الإبعاد فإنه يطلق على مجرد البعد دون الأبعد، وهذا هو شعور المؤمن حين يقف أمام ربه يناجيه ويسأله مستعدا لمخاطبته فإنه يسأل ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه أبعد ما يمكن، فاختار من الكلمات ما يناسب هذا الحال.
الفائدة الثالثة عشر:
نسب الذنوب لنفسه فقال: " خطاياي " فالعبد هو الذي باشرها ولذلك نسبها لنفسه، وفي هذا رد على القدرية.
الفائدة الرابعة عشر:
دل الدعاء على أن الخطايا والذنوب تؤثر على مناجاة العبد لربه، فكلما سلم العبد منها، وتطهر من آثارها كلما كانت المناجاة أتم، فلما كان المصلي بحاجة لتمام المناجاة، والذنوب تؤثر عليها صار العبد يطلب من ربه المباعدة بينه وبين خطاياه.
وعلى هذا من أراد التلذذ بمناجاة الله فليطهر نفسه من الذنوب فإن لها أثرا في المنع.
الفائدة الخامسة عشر:
في دعاء الاستفتاح يُظهِر العبد لربه تمام ذله بين يديه، وأن الله هو مالك الأمر، وبيده كل شيء، وأن العبد ضعيف مذنب، وهذا من مقاصد العبادة، ولهذا يقول المستفتح: " اللهم باعد بيني وبين خطاياي " ويقول: " اللهم نقني من خطاياي " وهكذا.
الفائدة السادسة عشر:
في قوله: " نقني من خطاياي " اعتراف بالذنب وأن العبد قد قارف الذنوب والمعاصي
الفائدة السابعة عشر:
في طلب العبد من ربه المباعدة والتنقية والغسل دليل على أن العبد ليس له ملجأ إلا لربه، فالعبد على هذا محتاج لله قبل الذنب بأن يباعد الله بينه وبين ذنبه، ومحتاج لربه بعد الذنب بأن ينقيه منه ومن أثره، وهذا تفسير لقوله > في الحديث الآخر: " ? لا ملجأ ولا منجا إلا إليك ?.
الفائدة الثامنة عشر:
شبه النفس بالثوب في قوله: " كما ينقى الثوب " وهذا له ما يشابهه في قوله تعالى: وثيابك فطهر فقد فسرها جماعة من المفسرين بأن المراد بالثياب: النفس، والحديث يشهد لهذا التفسير.
الفائدة التاسعة عشر:
شبه الذنوب بالدنس، والدنس هو التلطخ بقبيح ()، ولا أقبح من الذنوب، والوقوع فيها تلطخ بها.
الفائدة العشرون:
¥