صيغة " نقني " أبلغ في طلب التنقية من " أنقني " ولهذا أتى بالصيغة التي تدل على زيادة في طلب التنقية، وهي أليق بمقام التذلل لله سبحانه وتعالى، فإنها تشعر أن العبد ملئ بالخطايا والذنوب، فهو محتاج إلى المبالغة في تنقيتها، فكلما ازدادت الأوساخ زادت الحاجة إلى زيادة التنقية.
الفائدة الحادية والعشرون:
ذكر الثوب الأبيض دون غيره من الألوان لأنه أظهر من غيره من الألوان ().
الفائدة الثانية والعشرون:
وكذلك قوله: " الثوب الأبيض " إشعار منه إلى أن هذا هو الأصل، فالأصل أن نفس المؤمن تكون صافية ناصعة البياض، سليمة مما يدنسها، فإن تلطخت بالذنوب فإن المؤمن مطالب بأن يرجع إلى ما كان عليه من الأصل، وهو البياض.
الفائدة الثالثة والعشرون:
وكذلك قوله: " الأبيض " إشعار منه إلى أن نفس المؤمن تتأثر بأدنى ذنب، كما يتأثر الثوب الأبيض – دون غيره من الألوان - بأدنى دنس، وعلى هذا فإن المؤمن عليه أن يحذر من الذنوب دقيقها وجليلها، وعلى هذا كان نهج الصحابة ش كما قالت عائشة ك: " إنكم تعملون أشياء كنا نعدها زمن النبي > من الكبائر ".
الفائدة الرابعة والعشرون:
سبب تخصيص الغسل بالماء والثلج والبرد مع كون الماء الحار أبلغ في التنظيف؛ لأن " الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا، فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه، والماء يغسل الخبث ويطفئ النار، فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبَرَد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته، فكان أذهب لأثر الخطايا " ().
" وقال الكرماني: جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم لأنها مستوجبة لها بحسب وعد الشارع، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في الإطفاء، وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه، وهو الثلج ثم إلى أبرد من الثلج وهو البرد، بدليل جموده لأن ما هو أبرد فهو أجمد " ().
الفائدة الخامسة والعشرون:
في قوله: " كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس " وقوله: " اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " تشبيه للأمر المعنوي بالأمر الحسي ()، وهذا له أثره على التفكر بالدعاء ومعرفة معانيه ومقاصده، فإن المؤمن إذا دعا بطلب التنقية من الذنوب وذكر تنقية الثوب الأبيض من الدنس كان عارفا بمعناها، مستظهرا لمدلولها، ومثله إذا دعا ربه أن يغسله من ذنوبه بالماء والثلج والبرد أيضا.
وكلما كان الإنسان متفكرا بمعنى دعائه، مدركا له، كان ذلك أدعى للإجابة.
الفائدة السادسة والعشرون:
في قوله: " بالماء والثلج والبرد " طلب المبالغة في التطهير، وهكذا المؤمن يسأل ربه أن يطهره ويغفر له وينقيه، ويكرر العبارات، ويعيد الجمل مع اتحاد المدلول، وذلك مبالغة منه في طلب التطهير.
الدعاء الثاني:
? وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وما أنا من الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ له وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا من الْمُسْلِمِينَ، اللهم أنت الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إلا أنت، أنت رَبِّي وأنا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جميعا إنه لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنت، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلا أنت، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلا أنت، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ وَالشَّرُّ ليس إِلَيْكَ،أنا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ? وفيه فوائد:
الفائدة السابعة والعشرون:
ذكر الوجه دون غيره من الأعضاء لأنه أشرفها، ففيه دلالة على التعبير عن الكل بالجزء، وتسمية الشيء ببعضه، فقد عبر عن الجسم بالوجه.
الفائدة الثامنة والعشرون:
لم يذكر القلب – في الحديث - مع أنه أهم في توجهه، ولعل السبب لأن المؤمن مطالب بأفعال الظواهر لأن عليها الثواب والعقاب، أما البواطن فأمرها إلى الله، فعلق الأمر على أمر ظاهر يمكن مشاهدته.
الفائدة التاسعة والعشرون:
¥