تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما ما يتعلق بالوصف الثاني، وهو عدم التنافي؛ فلم يذكر ابن حجر -رحمه الله- ضابطًا تتميز به الزيادة المنافية من غير المنافية، وقوله في المنافية: "يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى"، ليس وصفًا منضبطًا يصلح أن تندرج تحته كل الزيادات المنافية؛ وإلا فزيادة الوصل ليست منافية، إذ لا تنافي بين الوصل والإرسال، ومع ذلك فما من إمام من الأئمة الذي سماهم ابن حجر في "النزهة"، وذكر أنهم يعتبرون الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، وأنه لا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة؛ ما من إمام من هؤلاء الأئمة وغيرهم إلا وقد أعلَّ جملة من الأحاديث الموصولة ورجح كونها مرسلة، وأن من وصلها من الثقات أخطأ في ذلك.

فلو كان وقوع التنافي بين الرواية المزيدة والرواية الناقصة شرطًا لسلوك مسلك الترجيح بينهما لما سلك هؤلاء النقاد سبيل الترجيح فيما اختلف وصله وإرساله؛ إذ لا تنافي بين الوصل والإرسال في واقع الأمر.

وكذلك الشأن في زيادة الرفع؛ فإنها أيضًا ليست منافية؛ إذ ليس قبول الرفع يلزم منه ردُّ الوقف، كما أن قبول الوقف لا يلزم منه ردُّ الرفع، بل قد يكون الحديث محفوظًا على الوجهين؛ مرفوعًا وموقوفًا.

ومع ذلك؛ فنحن نرى هؤلاء العلماء وغيرهم يعتبرون الترجيح في مثل هذا، ولا يقبلونه مطلقًا، كما أنهم لا يردونه مطلقًا. فلو كان القانون عندهم الذي يقبلون الزيادة على أساسه هو عدم التنافي من دون شيء آخر، للزمهم قبول زيادة الرفع مطلقًا؛ إذ لا تنافي هاهنا.

والحافظ ابن حجر نفسه في كتبه عامةً؛ تارة يرجح الوقف، وتارة يرجح الرفع؛ وتارة يرجح الإرسال، وتارة يرجح الوصل، وتارة يصحح الحديث على الوجهين؛ موقوفًا ومرفوعًا؛ أو موصولاً ومرسلاً؛ فإن كان هذا النوع من الاختلاف هو عنده من قبيل التنافي، فكيف قَبِل الوجهين في مواضع؟! وإن لم يكن من قبيل التنافي فما الذي أحوجه إلى الترجيح في مواضع أخرى؟!

والواقع أن ما قاله الحافظ ابن حجر -رحمه الله- من أن الزيادة من راوي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية، لا يتعارض مع ما ذكرناه من سلوك مسلك الترجيح في زيادة الرفع والوصل رغم كونهما لا يتنافيان مع الوقف والإرسال.

وذلك؛ أن ما ذكره ابن حجر مشروط بما ذكره هنا -كما سيأتي- وفي مواضع كثيرة في كتبه من أنه إذا اتحد المخرج فلا بد من الترجيح، وأن الجمع لا يتأتى إلا مع اختلاف المخارج (1).

واختلاف الرفع والوقف، والوصل والإرسال؛ إما أن يكون واقعًا في رواية واحدة، اختلف الرواة لها عن الشيخ، فبعضهم رفع وبعضهم وقف، أو بعضهم وصل وبعضهم أرسل، فهاهنا قد اتحد المخرج، فلا بد من الترجيح، ولو تعذر الترجيح لكون كل وجهٍ قد رواه عن الشيخ جماعة ثقات حفاظ، لزم أن يكون الاختلاف من الشيخ نفسه، حدث به تارة هكذا وتارة هكذا، وإذا صح هذا حُمل ذلك على اضطراب الشيخ نفسه وعدم إتقانه لإسناد الحديث، اللهم إلا أن يكون الشيخ من كبار الحفاظ الذين يحتمل منهم رواية الحديث على غير وجهٍ.

أما إذا وقع الاختلاف في الرفع والوقف، أو في الوصل والإرسال مع اختلاف المخارج، فحينئذٍ تقبل الزيادة أبدًا، ولا معنى للترجيح، إذ لا خلاف أصلاً.

فلو روي المتن الواحد، عن شيخين مختلفين، بإسنادين مختلفين، عن تابعيين مختلفين؛ أحدهما وصله عن صحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والآخر أرسله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أو أحدهما رواه عن صحابي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا، والآخر رواه عن صحابي آخر من قوله موقوفًا عليه؛ لم يَعُدُّوا ذلك اختلافًا أصلاً، ولا يتكلفون البحث عن ترجيح؛ بل يقبلون هذه الروايات كلها، ويتعاملون مع كل رواية منها على أنها مستقلة بذاتها، ويعتبرونها روايات متعددة في باب واحد، بل ويقوون بعضها ببعض، اللهم إلا أن يظهر لهم وقوع الخطأ في بعضها بدليل آخر.

هذا ما يتعلق بالزيادة الإسنادية، أما الزيادة المتنية، فلا شك أنها إذا وقعت في حديث آخر يختلف مخرجه عن مخرج الحديث الذي لم تقع فيه، فهي -بدون شك- زيادة مقبولة؛ إذ إنها -حينئذٍ- تكون بمنزلة حديث مستقل تفرد به ثقة، فتقبل ما لم تكن منافية، فإن كانت منافية رُدَّت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير