تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما إذا اتحد مخرج الحديث، وزاد فيه بعض الرواة زيادة لم يذكرها بقية الرواة، فلا شك أيضًا أنها إذا وقعت منافية للرواية الناقصة أنها تكون مردودة غير مقبولة.

لكن إذا لم تقع منافية، أي لا يلزم من قبولها رد الرواية الناقصة، فهل الزيادة -هاهنا- يلزم أن تكون مقبولة أيضًا، كما هو الحال إذا ما وقعت في حديث يختلف مخرجه عن مخرج الحديث الناقص، أم أن قبولها هنا غير لازم؟

والجواب: أن قبولها -والحالة هذه- غير لازم ولا متحتم؛ بل الأمر راجع إلى الترجيح باعتبار القرائن المحتفة، وعلى أساسها إما أن تقبل، وإما أن ترد.

ولتوضيح هذا؛ لا بد من تمهيدٍ يتضح من خلاله طبيعة هذا النوع من الاختلاف، ليحسن التصور له، والتعرف على مقاصد علماء الحديث من كلامهم فيه؛ فأقول:

البحث في الرواية يختلف عن البحث في المعاني، فالبحث في الرواية ينحصر في تحقيق صحتها من عدمها، أي في صحة أو عدم صحة القول أو الفعل عمن نسب إليه؛ بصرف النظر عن كون المعنى الذي تضمنته تلك الرواية مستقيمًا في نفسه أو غير مستقيم.

فقول المحدثين -مثلاً-: "هذا صحيح من قول الزهري أو من فعله"، لا يفيد أكثر من أنه ثبت عندهم أن الزهري قال هذا القول، أو فعل ذلك الفعل؛ أما إصابة الزهري أو عدم إصابته فيما قال أو فعل، فهذا شيء آخر.

فلو أن الزهري أخطأ فيما قال أو فعل، لما كان ذلك طاعنًا في ثبوت هذا القول أو ذاك الفعل عنه؛ فإن الزهري أو غيره ليس معصومًا من الخطأ، إنما المعصوم هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فغير الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد يقول القول أو يفعل الفعل ويخطئ في ذلك، وهو أيضًا يحتمل منه الاختلاف والاضطراب، فقد يقول قولاً في يوم ويرجع عنه بعد ذلك، وقد يقول قولاً ثم يقول بعد ذلك ما يخالفه ويناقضه، وقد يهتدي هو إلى هذا التناقض فيرجع عن أحد قوليه، وقد لا يهتدي فيبقى على تناقضه، وقد يقول القول ثم ينساه، وقد يقول بخلافه، وربما نفى صدور القول الأول منه.

انظر -مثلاً- إلى ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من قوله: "تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو محرم"؛ فهو من جهة الرواية صحيح عن ابن عباس، بمعنى أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ثبت عنه أنه قال هذا القول؛ لكن هذا بمجرده لا يدل على أن ابن عباس أصاب في قوله هذا، بل قد يكون أخطأ، وهذا ما ذهب إليه جماعة من أهل العلم، كسعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل وغيرهما، فرغم تسليمهم بصحة الرواية عن ابن عباس بذلك، إلا أنهم ذهبوا إلى أنه أخطأ في قوله هذا.

وانظر: "فتح الباري" (9/ 165).

فهذا شأن ما يروى عن غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالأمر فيه يختلف، فإن الحكم بصحته عنه -صلى الله عليه وسلم- من جهة الرواية يقتضي صحته من جهة المعنى؛ إذ كل ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-.

وعليه؛ فلو نسب إليه ما لا يستقيم من جهة المعنى أو يتنافى مع ما صح من سنته -صلى الله عليه وسلم-، فالخلل إنما هو من قِبَل الرواة لا من قبله هو -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان الراوي ثقة حمل ذلك على خطئه وسهوه، وهذا يكفي للطعن في صحته والحكم بعدم ثبوته عنه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يقول المنكر من القول، ولا يفعل الخطأ من الفعل، ولا تتعارض ولا تتناقض سنته -صلى الله عليه وسلم-.

فإذا جاءت روايتان صحيحتان، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من طريق صحابيين مختلفين، بإسنادين مختلفين، وتضمنت إحداهما زيادة على الأخرى؛ وجب حينئذٍ قبولها؛ لأن مخرجها يختلف عن مخرج الرواية الأخرى، ولا تردُّ إلا إذا وقعت منافية للرواية الأخرى التي لم تشتمل على هذه الزيادة.

وإذا أمكن الجمع بين الرواية الناقصة والمزيدة بوجه من وجوه الجمع المعتبرة، وجب حينئذٍ اللجوء إلى الجمع، ولا تكون الزيادة حينئذٍ منافية، ولا لها حكمها؛ لأن الجمع يرفع التنافين ,قد سبق أن الجمع يتأتى مع اختلاف المخارج، وهنا قد اختلف مخرج الروايتين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير