تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الحافظ: "فَصَله بعض الحفاظ من الرواة، وبين أن قوله: "والهرج القتل" من كلام أبي موسى. ومع ذلك؛ فقد ثبت تفسيره بذلك من وجهٍ آخر مرفوعًا في حديث سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبي هريرة" اهـ.

قلت: فتلك اللفظة "والهرج القتل"، إنما هي من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة خاصة، وليست هي من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي موسى؛ بل هي في حديثه من قول أبي موسى موقوفة عليه، فمن ظن أنها محفوظة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من حديث صحابيين عنه، فقد أخطأ، ومن قبلها في حديث أبي موسى وأثبتها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بناءً على أنها غير منافية فقط أخطأ أيضًا.

ثم قال الحافظ:

"ومثل ذلك حديث: "أسبغوا الوضوء" ... فهو من قول أبي هريرة -أي: في حديثه-، على أنه قد ثبت من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، من حديث عبد الله بن عمرو، في "الصحيح" ا. هـ.

يعني: "صحيح مسلم" (1/ 147 - 148).

وذكر أيضًا ابن الصلاح مثالاً آخر، فقال:

"مثاله: رواية سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا" الحديث.

قال ابن الصلاح: "فقوله: "لا تنافسوا"؛ أدرجه ابن أبي مريم من متن حديثٍ آخر؛ رواه مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فيه: "لا تحسَّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا". والله أعلم" ا. هـ.

وفي "شرح العلل" لابن رجب (2/ 633) أن الإمام أحمد -رحمه الله- ذكر حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عطية، عن عائشة -رضي الله عنها-؛ في تلبية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكر فيها: "والملك، لا شريك لك".

قال الإمام أحمد: "وَهِمَ ابن فضيل في هذه الزيادة، ولا تعرف هذه عن عائشة، إنما تعرف عن ابن عمر".

قلت: وحديث ابن عمر في البخاري (3/ 408) ومسلم (4/ 7)، وفيه هذه الزيادة، وأما حديث عائشة فهو أيضًا في البخاري من غير طريق ابن فضيل، وليس فيه هذه الزيادة.

وذكر هذه الزيادة في حديث عائشة، هو خطأ من محمد بن فضيل -كما ذكر الإمام أحمد-، حمل لفظ حديث عائشة على لفظ حديث ابن عمر، والصواب أن حديث عائشة ليس فيه تلك الزيادة؛ فمن اكتفى بكونها غير منافية فأثبتها من حديث عائشة يكون قد أخطأ.

والأمثلة على ذلك كثيرة، راجع بعضها في كتابي "الإرشادات" (ص: 362 - 379).

فخلاصة القول: أن قبول الزيادة من الثقة أو عدم قبولها، ليس مرتبطًا بالتنافي وعدمه، بحيث تقبل من الثقة أبدًا ما لم تقع منافية، بل نقول:

نعم إذا وقعت فيه منافية فلا شك في عدم قبولها، أما إذا لم تقع منافية، فلا يلزم قبولها، بل تقبل أحيانًا وترد أحيانًا بحسب القرائن المحتفة بالرواية، والتي على أساسها ينبني القبول أو الرد.

وأيضًا؛ فهذا إذا كان مخرج الروايتين -الناقصة والمزيدة- واحدًا، أما إذا اختلف المخرجان، فهنا تقبل الزيادة من الثقة بلا تردد، لأنها حينئذٍ تكون بمنزلة حديث آخر يرويه الثقة، اللهم إلا أن تظهر فيها علة أخرى توجب ردها. والله أعلم.

انتهى كلام الشيخ طارق -حفظه الله-.


(1) هذا الحمل من الشيخ طارق لكلام ابن حجر على ما كان المخرج فيه مختلفًا= مخرج جيد للحافظ، وله اعتباره.
لكن فيه نظرًا -فيما أرى- من ثلاثة أوجه:
الأول: أن إطلاق زيادة الثقة -خاصة في المتون- في كلام الأئمة ينصرف أولاً إلى ما كان المخرج فيه متحدًا -وقد ذكر الشيخ طارق ذلك فيما يلي من كلامه-، وكلام الحافظ ابن حجر من جنس ذلك.
الثاني: أن الحافظ قد نصَّ على أن ما يتكلم فيه مغاير لمسألة الحديث المستقل، قال: " ... لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره"، والزيادة في الحديث مع اختلاف المخارج هي نوع من الحديث المستقل الذي لم يكن الحافظ يتكلم فيه، وإنما كان يتكلم في الزيادة مع اتحاد المخارج، وقسمها قسمين، وقاس أحد القسمين على الحديث المستقل.
الثالث: أن بعض تطبيقات الحافظ وفهم من بعده (كالمباركفوري وغيره) تدل على أن الكلام في الزيادة مع اتحاد المخرج.
والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير